كان من السهل أن تتأفف أو تشيح ببصرك عندما قام متظاهرون محليون برش المياه على السياح المندهشين الذين كانوا يتناولون وجبات خفيفة في مقاهي الرصيف في فترة ما بعد الظهيرة المشمسة مؤخراً في برشلونة، إحدى أفضل الوجهات الصيفية في أوروبا.

لكن المظاهرة المناهضة للسياحة هنا كانت أيضاً لقطة معبرة - وتحذيراً - للتوترات المتصاعدة في القارة وخارجها، حيث تصطدم مستويات السفر القياسية، هذا الصيف، بتغير المناخ والفوارق الاجتماعية والقدرة الاستيعابية حتى في أكثر المدن ملاءمة للزوار.

إذا كنت تعتقد أن المناطق السياحية الساخنة في العالم مشبعة بالفعل، فكر مرة أخرى - وتحديداً في الأسواق غير المستغلة حتى الآن للمسافرين الدوليين القادمين من الصين والهند. لعقود، تشهد حركة السياحة رواجاً ونمواً كبيراً في مختلف أنحاء العالم، وكان تأثيرها يتفاوت بشكل غير متناسب في أوروبا، وخاصة في منطقة الحزام الشمسي في جنوب أوروبا.

وتعد برشلونة، المكان الساحر الذي ارتفعت شعبيته بشكل كبير منذ استضافته الألعاب الأولمبية قبل 32 عاماً، مثالاً على ذلك. في عام 1990، استضافت برشلونة المدينة المكتظة، التي يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، أقل من مليوني سائح. وفي هذا العام، يتوقع مسؤولو المدينة وصول ما يقرب من 13 مليوناً، وهو ما يمثل نحو 38 مليون ليلة سياحية.

ونتيجة لذلك، ارتفعت الإيجارات في المدينة بنسبة 70% تقريباً خلال عقد من الزمن. ويعمل ما يقرب من 150 ألف شخص في وظائف سياحية في برشلونة، لكن الكثير منهم لا يستطيعون العيش في المدينة.

وتحيط مخاوف مماثلة بلشبونة وأثينا ولاس بالماس وإيبيزا ووجهات رئيسية أخرى، حيث تعد هذه المدن ضحايا نجاحها الذي يدر عليها إيرادات السياحة، ولكنها تخشى بشكل متزايد من خسارة سكان الطبقة العاملة، ومتاجر البقالة في الأحياء - وأرواحهم. لم تشهد مدينة أوروبية كثافة كبيرة من قبل السياح مثل مدينة البندقية، حيث تم طرد 70% من سكانها منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ويزدحم أكثر من 20 مليون زائر سنوياً بالمدينة التي تبلغ مساحتها ثلاثة أميال مربعة. وقد فرضت مدينة البندقية هذا العام رسم دخول قدره 5.30 دولار على زوار اليوم الواحد، وهي لفتة تبدو بلا جدوى.

وتتزايد حدة ردود الفعل والاحتجاجات من جانب السكان المحليين ضد موجات سياحية - ليس فقط في جنوب أوروبا، بل وأيضاً في أمستردام وطوكيو وسيئول وأماكن أخرى. وفي برشلونة، حيث كان يُنظر إلى السياحة على مستوى العالم تقريباً على أنها إيجابية قبل 15 عاماً، يقول ما يقرب من ربع السكان الآن إنها جلبت آثاراً سلبية. في برشلونة، تحدثت مع «جوردي فالس»، نائب عمدة المدينة للاقتصاد والضرائب والترويج الاقتصادي والسياحة، الذي تولى منصبه العام الماضي. وسرعان ما قرر أن السياحة، التي تمثل ما يقرب من خمس الاقتصاد غير العام في المدينة، وصلت إلى حدودها القصوى ولا يمكن إيقافها أيضاً. وقال: «لا أستطيع التحكم في الطلب. لا أستطيع إلا أن أؤثر على العرض».

وسعياً لتحقيق هذا الهدف، حظرت المدينة تأجير الغرف في الشقق الخاصة، وبحلول عام 2028، تخطط لإلغاء 10 آلاف غرفة إيجار قصيرة الأجل أخرى من خلال شركة «إير بي إن بي» والشركات المماثلة. ورفعت المدينة أيضاً ضريبة البلدية على المبيت، ووضعت حداً أقصى للفنادق الجديدة في وسط المدينة وقننت حجم الأفواج السياحية. وهذا أمر صعب بما فيه الكفاية في بعض أجزاء المدينة، ثم هناك الضغط طويل الأمد الذي يمارسه السياح على المياه والكهرباء والنقل وغيرها من الموارد.

*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»