على صعيد الحراك السياسي في الداخل اليمني، من أجل التوصل إلى السلام وإنهاء الحرب، قدم مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنيين تنازلات عديدة من أجل إحلال السلام، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وصولاً إلى تنفيذ خريطة الطريق التي أفضت إليها جهود الوساطة العربية التي قابلها الحوثيون بالهروب إلى تصعيد متهور في البحر الأحمر. وتؤكد مصادر يمنية أن جماعة «الحوثي» تقتات على الحرب، وأن تصعيدها الحالي يثبت أنها غير مستعدة للسلام، وهذا ما أكده وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، الذي أشار إلى استمرار الحوثيين في انتهاكاتهم بحق الشعب اليمني، مستعرضاً جهودَ السلام الإقليمية والدولية التي اصطدمت مع ممارسات «الحوثي»، في كل جولات الحوار التي رحبت بها الحكومة اليمنية ودعمتها. وبدلاً من الاستجابة لجهود السلام، راحت جماعة «الحوثي» تمارس أعمال القرصنة ضد السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وما ينتج عن ذلك من أضرار كبيرة ضحيتُها الأول الشعب اليمني.

ولفت الإرياني إلى أنه لولا جهود الأشقاء في تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية، ودعمهم للحكومة والشعب اليمنيين، لما تمكنت الحكومة من دفع المرتبات للموظفين في المناطق المحررة. وأعرب الإرياني عن أمله في أن يقوم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، بمراجعة طريقة تعاطيه مع جماعة الحوثي، متطرِّقاً إلى معاناة آلاف المختطفين قسرياً في معتقلات «الحوثي»، وآخرهم العاملون لدى المنظمات الدولية. ويشنّ الحوثيون منذ نوفمبر الماضي هجمات، بالصواريخ والمسيّرات والزوارق المفخخة، بما لا يقل عن 88 سفينة تجارية منذ بدء حملتهم ضد سفن التجارة البحرية الدولية، وفقاً لإحصائية نشرها «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى».

وبذلك يتسبب الحوثيون في الإضرار أيضاً باقتصادات الدول العربية المشاطئة المطلة على البحر الأحمر، وأولها جمهورية مصر العربية، إذ أصبحت بعض السفن تتجنب المرور عبر قناة السويس، بسبب هجماتُ الحوثيين التي دفعت بعضَ شركات الشحن إلى الالتفاف حول جنوب أفريقيا بعيداً عن البحر الأحمر. ولمحاولة ردع جماعة «الحوثي» والتصدي لهجماتها، تشنّ القوّات الأميركيّة والبريطانيّة منذ 12 يناير الماضي ضربات على مواقع للجماعة. كما تقود واشنطن تحالفاً بحرياً دولياً (حراس الازدهار) يهدف لحماية الملاحة البحريّة في هذه المنطقة الاستراتيجيّة التي تمرّ عبرها 12 في المئة من التجارة العالميّة.

وينفّذ الجيش الأميركي وحده بين حين وآخر ضربات على صواريخ ومسيّرات حوثية يقول إنّها معدّة للإطلاق. كما ينفذ الاتحاد الأوروبي مهمةً أمنية في البحر الأحمر لحماية التجارة البحرية الدولية، وتأمين خطوطها الملاحية. وبمقاربة مجمل الممارسات التي تقوم بها جماعة «الحوثي» نخلص إلى أن الجماعة قررت القفز فوق السور اليمني، وهي تستعيد عن ولائها لليمن بولاء خارجي، مستمرئةً لعبةَ التأرجح على الحبل المشدود، لعلها تفوز برضى اللاعبين الكبار المواربين، وبرعاية لاعبين إقليميين؟

وقد مهدت جماعة «الحوثي» الطريقَ للاعبين الكبار بإعطائهم الذريعة للسيطرة على ممرات البحر الأحمر وللوجود العسكري فيها، وإن تظاهرت واشنطن بوضع اسم الجماعة في قائمتها للجماعات الإرهابية.. لكن «الحوثيين» يتطلعون إلى منحهم الشرعيةَ لحكم صنعاء، مع تجاهل تام لممارساتهم داخل اليمن بحق مواطنيه وفي سواحله بحق خطوط الملاحة البحرية التجارية الدولية. وهذا بالطبع علاوةً على ما يفعلونه بحق محافظة «تعز» التي يفرضون عليها حصاراً خانقاً يحولها إلى سجن كبير لمئات الآلاف من سكانها!

*سفير سابق