تكتسب قارة أفريقيا أهمية جيواستراتيجية متنامية جعلت منها موضع اهتمام متزايد وتنافس عميق بين القوى الإقليمية والدولية كافة، وتفصيلاً لعوامل أهميتها وجاذبيتها بالنسبة لهذه القوى، والتي تعكسها المؤشرات والإحصاءات الكمية والنوعية، يجب التأكيد على الثِّقل الاستراتيجي للقارة التي تمتلك نحو 12% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، وهي مصدر لنحو 30% من احتياطيات العالم من المعادن.
وما يميز القارة السمراء أن كثيراً من اقتصاداتها تشهد نمواً سريعاً، وتتمتع بثِقل تصويتي كبير في المؤسسات الدولية، حيث تشكل دول القارة الـ 54 نحو 28% من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، ما يجعل دورها مؤثراً للغاية في عملية صنع القرار والعلاقات الدولية، وهو ما لخّصه الأمين العام للأمم المتحدة بالقول، إن أفريقيا «صوت مهمّ للصالح العالمي، وموطن للعديد من الأمثلة على الوحدة والتضامن في عالم ممزق».
ولأننا في مركز «تريندز» ننطلق من رؤية عالمية قائمة على تعزيز الحوار والتفاهم الدوليين، فإن من البدهي أن تحظى قارة أفريقيا بأهمية استثنائية في إطار الخطط البحثية والتشاركية التي يضعها المركز، وهو ما يتوافق مع سياسات العديد من القوى الإقليمية والدولية، ومن بينها دولة الإمارات، التي تنظر باهتمام استثنائي لتعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية، في إطار اهتمام أوسع بتعزيز التفاهم والتعاون الدولي، ونشر قيم التعايش والتسامح. مشتركات عديدة إذاً تربط العالم العربي بشكل عام، والإمارات بشكل خاص، بأفريقيا، وفي مقدمة ذلك يأتي التبادل التجاري والاستثمارات، وصادرات الطاقة، وأمن الممرات المائية، لاسيّما مضيق باب المندب، ومكافحة القرصنة البحرية وتنظيمات الإرهاب.
وفي ضوء كل ما سبق، يمكن فهم سبب اهتمام مركز «تريندز» بقارة أفريقيا التي تمثل أولوية للمركز في هذا الإطار؛ لذا فقد سعينا لإنشاء مكتب فرعي للمركز في مدينة كيب تاون بجمهورية جنوب أفريقيا، كأول مقرّ فعلي لمكاتب «تريندز» الخارجية، انطلاقاً من أهمية هذه الدولة التي تُعدّ من أهم المراكز التجارية في أفريقيا والعالم وتتميز بتنوعها الثقافي وعلاقاتها القوية مع مختلف التكتلات في العالم، وآخرها مجموعة «البريكس»، ومن هنا جاء اختيار مقرّ مكتب «تريندز» في كيب تاون ليكون بوابة المركز لقارة أفريقيا جنوب الصحراء.
وقد حرصنا في «تريندز» على أن تكون بداية عمل المركز في جنوب أفريقيا متميزة، وبما يسهم بقوة في دفع العلاقات الأفريقية - الشرق أوسطية إلى آفاق أرحب، لذلك استهلّ فرع مركز تريندز في كيب تاون عمله، وفي إطار شراكة إعلامية مع «مركز الاتحاد للأخبار»، بعقد أول مائدة مستديرة ضمن «سلسلة تريندز للموائد العالمية المستديرة» حول الشرق الأوسط وأفريقيا، جمعت رؤساء وممثلي 11 مركزاً فكريّاً رائداً من مختلف أنحاء العالم، بحضور سعادة محش سعيد الهاملي، سفير دولة الإمارات في جنوب أفريقيا، ومحمد شيخ إسحاق، سفير الصومال لدى جنوب أفريقيا، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، مؤسس وعضو مجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل، ورئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار، وكوكبة من الباحثين والخبراء والمتخصّصين من الإمارات والدول الأفريقية، حيث أكدنا في جميع الفعاليات أهمية الحوار والتعاون البحثي بين مراكز الفكر العربية والأفريقية، وتبادل الخبرات والمقترحات، والبحث عن حلول وبدائل لتحديات مشتركة تقف في طريق تعزيز التعاون المشترك.
وقد أُتيح لوفد «تريندز» وباحثيه، خلال هذه الجولة عقد جلسات حوارية مع جامعات ومراكز بحثية جنوب أفريقية. كما نظّم «تريندز» ومركز الاتحاد للأخبار سلسلة فعاليات بمناسبة اليوم الدولي لنيلسون مانديلا، بالتعاون والشراكة مع هيئة تراث مانديلا، وبحضور الرئيس التنفيذي للهيئة، السيد زندوا مانديلا، تضمّنت حلقة نقاشية تناولت الإرث التاريخي والإنساني لنيلسون مانديلا ودوره في السلام العالمي، ومشاركة وفد «تريندز» في بعض الأعمال التطوعية لهيئة تراث مانديلا.
جولة وفد «تريندز» في جنوب أفريقيا والأنشطة والفعاليات التي تخلّلتها، تأكيد على استمرار «تريندز» في أداء رسالته الخاصة ببناء جسور المعرفة ومنصات الحوار وشبكات التواصل مع المراكز والمؤسسات والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
*الرئيس التنفيذي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات.