علاقات دولة الإمارات بإندونيسيا ليست وليدة اليوم، لكن مضى عليها زمن طويل منذ قيام دولة الإمارات. هي علاقات صداقة متينة يحكمها عاملان هما المصالح المشتركة المتبادلة، والعامل الثقافي الديني، حيث تضم إندونيسيا أكبر كثافة سكانية مسلمة على وجه الأرض تعيش في دولة واحدة. وهذه حقائق راسخة لا جدال فيها. لكننا في هذا المقام نود تناول الموضوع من منظور مختلف أكثر تجذراً.

واعتماداً على مستوى التحليل، العلاقات بين الدولتين يمكن طرقها بشكل جديد. وهذا يعني أن التركيز على الروابط الثنائية يبرز المصالح «الطبيعية» بين الدولتين، والتي تحتم تناول عدد من الجوانب على أساس من التعاون المتداخل بين الدول لكي يتم تطبيق مبادئ محددة على علاقاتها الخارجية. ولكي يتم بناء تعاون ثنائي مثمر يبدو أنه من المناسب في وقت تكون فيه السياسات الدولية مصطبغة باعتماد عالمي متبادل على صعيد كلا الحقلين السياسي والاقتصادي. العلاقات بين دولتين كالإمارات وإندونيسيا يمكن بناءها بسهولة، والحوار بينهما يؤكد هذا التطور.

لكن إذا كانت الأوضاع أقل ملائمة فتوجد حاجة متزايدة من أجل التعاون بين الدولتين عن طريق طرق القضايا الرئيسية المشتركة بينهما لكي تقوما بخدمة مصالحهما الوطنية الخاصة بكل منهما. وبالإضافة إلى هذا الطرح العام، كل من الإمارات وإندونيسيا لديه عدد من الأسباب المنطقية لدفع العلاقات الثنائية بينهما إلى أعلى مستوى يمكن فكلاهما دولة منتجة للنفط، وكلاهما عضو في منظمة «أوبك» ومنظمة «التعاون الإسلامي»، وكلاهما عضو فاعل في منظمة إقليمية جماعية في منطقته، لذلك فهما تحتاجان إلى التعاون والتنسيق على صعد هذه الانتماءات الكونية في سبيل تحقيق مصالحهما الوطنية العليا بشكل مفيد ومحكم. لا يمكن إغفال عامل مهم في سياسات كل من الدولتين الخارجية وهو الدعوة إلى السلام والأمن والاستقرار العالمي، وهذه بحد ذاتها مظلة توفر للدولتين نمطاً من سياسات عدم الميل إلى القوى الدولية المتصارعة، تجعلهما دولتين بعيدتين عن الضغوط الدولية الشديدة عليهما في سياساتهما الخارجية. الإمارات وإندونيسيا حريصتان على دعم السلام والأمن والاستقرار العالمي، ومناديتان قويتان لنبذ استخدام العنف والوسائل العسكرية لحل المشاكل بين الدول، وداعمتان للتعاون السلمي بين الدول على أسس من الشراكات المتساوية والاحترام المتبادل، ومحاربان قويان للإرهاب.

في المجمل نميل إلى القول بأن جودة العلاقات بين الدولتين عالية جداً، وربما نذهب إلى الإشارة بأن نمط هذه العلاقات المتجدد نتيجة للقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بفخامة رئيس جمهورية إندونيسيا الذي زار الدولة في 16 يوليو 2024 تصلح بأن تشكل نموذجاً يقتدى به لعلاقات الدول الثنائية، وهي قائمة على النظر إلى المستقبل مما يتعلق بقضايا التنمية والتعاون المشترك على صعد النفط والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الصناعي الذي تحاول الدولتان تنميته بخطوات حثيثة. ومن نتائج الزيارة أن الحوار دار حول مسائل مهمة، وغطى عدداً من القضايا ووجهات النظر المشتركة.

وعلى صعيد الجوانب الاقتصادية والتجارية تم تغطية التعاون القائم والمستقبلي وخرج الطرفان بتفاهمات واتفاقيات لرفع هذا النوع من العلاقات التعاونية إلى أعلى سقف ممكن. لذلك فإن المتوقع للعلاقات الثنائية أن تقوى كثيراً مستقبلاً ويرتفع حجم التبادل التجاري والاقتصادي والتقني والفني بينهما، فالطرفان يعملان سوياً على الاستفادة من الجوانب الإيجابية الكامنة في علاقاتهما.

*كاتب إماراتي