جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- يوم 18 يوليو مناسبةً وطنيةً باسم «يوم عهد الاتحاد»، ليرسخ لدى المواطن الإماراتي ما يعيشه منذ خمسين عاماً من شعورٍ عارم بالهوية الوطنية الإماراتية الجامعة. والحقيقة أننا عندما نسبر أغوار فكر الآباء المؤسسين نجد أن الاتحاد جزء أصيل من الإرث الفكري للقيادة الإماراتية، فعندما يعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- أن «الأصل هو الوحدة، وأمَّا التجزئة فهي الاستثناء المؤقت وغير الدائم»، فهذا دلالة واضحة على أن بذرة الاتحاد هي الغرس الأصيل في هذه المنطقة، وأن روح الاتحاد هي جزء أصيل من كيان الإنسان الإماراتي، وهو ما أكَّده الشيخ محمد بن حمد الشرقي -رحمه الله- حين قال: «إن الاتحاد واقع فعلاً في ضمير الإمارات، ولا حاجة إلى قرار يؤخذ في هذا الصدد، ولا بيان يذاع»، وهذا الشعور العميق، والإيمان بضرورة الوفاء للاتحاد، يفرضهما، كما يرى الشيخ راشد بن حميد النعيمي -رحمه الله- «وفاؤنا المطلَق لأرض الوطن وتراث الآباء والأجداد».
هذه الروح الوحدوية المتأصلة في المنطقة، وفي نفوس أبنائها، هي الحافز الذي انطلق منه القائد المؤسس، وإخوانه حكام الإمارات، للمضيِّ في تحقيق الخطوات لتتوَّج لاحقاً بإعلان وثيقة الاتحاد، ودستور الإمارات، وإعلان اسم الدولة «دولة الإمارات العربية المتحدة»، في 18 يوليو 1971، يوم عهد الاتحاد.
إن كل مواطن إماراتي ينظر الآن إلى إعلان صاحب السمو رئيس الدولة الاحتفاء بيوم العهد بصفته تأكيداً لأهمية عهد الاتحاد، وما جلب معه من خير لجميع أبناء الإمارات، فخلال خمسة عقود جنى المواطن الإماراتي ثمار الاتحاد، وأدرك قوة الحكمة في قرار الآباء والأجداد بناءَ الاتحاد، فها هو يرى دولته في مقدمة دول العالم، ويرى حلم المؤسسين واقعاً يعيشه الأبناء والأحفاد والأجيال اللاحقة -بإذن الله-.
هذا الإعلان، وهذا الوفاء بالعهد، هما وفاء القيادة والشعب لإرث الآباء والأجداد، وتجديد للعهد بأن تبقى الدلالات العميقة لهذا الاتحاد ساطعة وبارزة دوماً، فحين يشبِّه الشيخ زايد دولة الاتحاد بأنها إبحار بسفينة واحدة هي «سفينة الاتحاد»، وعلى الجميع أن يحرص على وصولها إلى بر الأمان، تنتقل هذه الدلالة لتبرز بفكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث روح الاتحاد هي التي تحافظ على تماسك المجتمع، وأن «البيت بفضل الله متوحِّد»، وبرزت في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي -رعاه الله- عندما أرسل رسالة إلى الجميع «بأننا لسنا إمارات.. نحن دولة الإمارات»، ليثمر غرس سموه في أجيال الإمارات وعياً وإدراكاً لا يحيد بأنَّ علمنا واحد، ودولتنا واحدة.
وأكد سموه ذلك أيضاً عند إعلان «مبادئ دبي»، التي كان أولها وأهمها وأهم أولويات دبي وحكامها «الوفاء للاتحاد»، الذي يشكِّل الأساس الراسخ والضامن للقوة ولاستمرارية التقدم والبناء. وجاءت «وثيقة الخمسين»، التي خطَّت نهجاً لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً المقبلة، لتعلن أيضاً أن «الاتحاد»، والعمل من أجل تعزيزه وترسيخه وتقويته، هما الأساس الذي يحكم نهج القيادة الرشيدة في كل مبادراتها وبرامجها.
وكل هذا يؤكد لجميع المواطنين في هذه البلاد أن توجيه صاحب السمو رئيس الدولة ينبع من إيمان راسخ بأهمية الاتحاد، وضرورة العمل على الاحتفاء بكل ما يؤدي إلى صيانته وتقوية أواصره، ومن هنا ينظر المواطنون إلى هذا اليوم بمنظور أعمق من كونه احتفالية بمناسبة وطنية فقط، بل بصفته حالة فكرية ترسخت في الإرث الفكري للقيادة الإماراتية، وتوارثتها جيلاً بعد جيل.
*كاتب إماراتي