ربما كانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي مؤخراً إلى روسيا، والتي استغرقت يومين، موضع مراقبة في الغرب أكثر منها في الهند ذاتها. فقد حظي مودي باستقبال رسمي في روسيا حيث وصف الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يواجه عقوبات غربية بسبب الحرب في أوكرانيا، رئيس الوزراء الهندي بأنه «أعز صديق».

  هذه الزيارة، وهي الأولى التي يقوم بها مودي إلى الخارج بعد توليه السلطة لفترة ولاية جديدة، وُصفت بأنها ذات أهمية دولية. للهند وضع فريد من نوعه، إذ أنها تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع روسيا، بينما تقترب في الوقت نفسه من الولايات المتحدة، وهي الآن في وضع يجعلها تحظى بثقة الجانبين. وبالتالي، في حين أنه من غير المرجح أن تلعب الهند دور الوسيط، فإن الدولة الواقعة في جنوب آسيا، خلال فترة الأزمة، يمكن أن تلعب دوراً ما في المساعدة على إيجاد حل للحرب في أوكرانيا. لكن طوال الزيارة كان مودي يوازن بوضوح موقف الهند بين الجانبين.

لقد وصف روسيا بأنها صديقة في جميع الأوقات، في إشارة إلى كيفية تقدم موسكو في الماضي لمساعدة نيودلهي. فقد شاركت روسيا التكنولوجيا النووية مع الهند في وقت لم تكن فيه أي دولة أخرى على استعداد للقيام بذلك. كما أنها تزود الهند بالأسلحة وتقدم المساعدة في تعزيز ردعها الدفاعي وسط مشاكل حدودية مع الدول المجاورة. وبينما تعمل الهند الآن على تنويع مشترياتها الدفاعية من إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا إلى جانب دول أخرى، فإن 80% من المعدات العسكرية الهندية حتى يومنا هذا تأتي من روسيا.

كما أصبحت روسيا مهمة أيضاً منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، لتوفير الوقود بأسعار مخفضة، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للهند التي تتزايد احتياجاتها من الطاقة بشكل كبير. وساعد الوقود الرخيص نيودلهي على تعديل نسبة التضخم في الهند. وفي الوقت نفسه، شهدت علاقات الهند مع الولايات المتحدة نمواً بوتيرة سريعة في الآونة الأخيرة. وعلى هذه الخلفية، كانت الزيارة أيضاً درساً في المناورات الدبلوماسية الماهرة، حيث نجح مودي في تحقيق توازن جيد بين الجانبين.

وخلال الزيارة، أشار «مودي» إلى أن اجتماعاته مع بوتين على مدى العقد الماضي، والتي بلغ عددها 17 اجتماعاً، عززت الثقة والاحترام المتبادلين بين الجانبين. ولم يصف رئيس الوزراء الهندي روسيا بأنها صديقة في جميع الأوقات فحسب، بل وصفها أيضاً بأنها «شريكة في السراء والضراء». كما تبادل الزعيمان وجهات النظر حول أزمة أوكرانيا. وكرر رئيس الوزراء الهندي موقف بلاده المتمثل في أنه لا يمكن إيجاد حلول للأزمة وسط «البنادق والرصاص والقنابل».

وقال رئيس الوزراء الهندي: «سواء كانت حرباً أو صراعاً أو هجوماً إرهابياً، فإن أي شخص يؤمن بالإنسانية، يتألم عندما تحدث خسارة في الأرواح»، مشدداً على أنه «عندما يُقتل أطفال أبرياء، ينزف القلب وهذا الألم أمر مرعب للغاية».

 ليس ثمة شك في أن زيارة مودي إلى روسيا كانت مهمة. وبصرف النظر عن الاهتمام الدولي من وجهة نظر سياسية بشأن نتائجها، يُنظر إلى الزيارة على أنها أضافت إلى الزخم المستمر في العلاقات بين البلدين.

وقد حصلت العلاقات الاقتصادية على وجه الخصوص على دفعة قوية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، ويرجع ذلك أساساً إلى واردات الهند من النفط والأسمدة والغاز بأسعار مخفضة. وارتفعت التجارة التي ظلت راكدة لسنوات بين الهند وروسيا من 15 مليار دولار في 2021-2022 إلى 65 مليار دولار في 2023-2024 بعد اندلاع الحرب الأوكرانية في 2022. لذا، خلال زيارة مودي، بحث الجانبان أيضاً سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية.

واتفق البلدان على تعزيز التجارة إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وخفض الحواجز غير الجمركية، والحد من الخلل التجاري لصالح روسيا، وتحسين الاتصال وزيادة التجارة في السلع الزراعية. كما ناقشا بعض المشاكل العالقة التي لا تزال دون حل بين البلدين مثل قضية الخلل التجاري الذي تزايد. أدى اندلاع الحرب الأوكرانية، الذي كان السبب في تعزيز روابط الطاقة بين البلدين، إلى الضغط على العلاقة العسكرية، مما أدى إلى تأخير شحنات قطع الغيار والأسلحة الجديدة. على سبيل المثال، قامت روسيا حتى الآن بتسليم ثلاثة فقط من أصل خمسة أنظمة صواريخ أرض-جو من طراز «إس-400 تريامف» S-400 Triumf، بينما تأخر تسليم النظامين الآخرين عن الموعد المحدد.

وظل تسليم قطع الغيار والمعدات العسكرية الأخرى جزءاً أساسياً من المناقشات. ويستكشف الجانبان الآن إمكانية إقامة شراكات في مشاريع مشتركة في الهند لبعض الأجزاء المهمة من الأسلحة. لا شك أن زيارة مودي لروسيا، رغم أنها أثارت دهشة الغرب، كانت تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للهند في دفع علاقاتها مع روسيا إلى الأمام.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي