أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في أستانا، أن العالم متعدد الأقطاب أصبح حقيقةً واقعةً، مشيراً إلى اتساع دائرة الدول المؤيدة لنظام عالمي عادل، وبروز مراكز قوة وتنمية جديدة في العالم. وقال: «نحن على يقين تام بأن منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس تمثلان أساس النظام العالمي الجديد، وقاطرة للتنمية العالمية ولإرساء التعددية الدولية». وفي مطلع العام الجاري أصبحت مجموعة «بريكس» تضم كلاً من مصر وإيران والإمارات والسعودية وإثيوبيا، بالإضافة إلى روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وتمثل المجموعة 45 بالمئة من سكان العالم، و36 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويثير توسعُها المخاوفَ لدى بعض صانعي السياسات في أوروبا والولايات المتحدة من أن تصبح ملاذاً اقتصادياً للقوى الصاعدة التي تسعى للتأثير على النمو والتنمية العالميين، وهو ما يعكس التحولات العميقة في النظام الدولي الحالي. وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الجهود الأميركية لتأسيس وتعزيز نظام دولي أحادي القطب، والسعي الروسي والصيني المضاد لتقويض النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، يشهد النظامُ الدولي إعادةَ ترتيب بعد تدهور نظام القطبية الأحادية المتمركز حول أميركا، وهو النظام الذي تريد واشنطن تعزيزَه، بينما تعمل بكين وموسكو على تغييره وتشكيل نظام دولي جديد بفعل التطورات والمستجدات والسعي الدؤوب من قبل المنافسين لإعادة صياغة أركان نظام دولي متعدد الأقطاب. وقد جاء حدثان مهمان ليَصوغا التحولَ المتسارع نحو عالم متعدد الأقطاب، الأول كان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ فقد النظام العالمي الحالي دورَه في هذه الحرب، ولم يكن مجلس الأمن قادراً على مجرد إصدار قرار بوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
أما الحدث الثاني فكان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ففي ظل الانحياز الأميركي لإسرائيل والموقف الغربي المتخاذل، تمثل الحربُ فرصةً لمنافسي واشنطن الجيوسياسيين الأساسيين، أي روسيا والصين، حيث تزيد موسكو من نفوذها في المجالين الأمني والعسكري، وتعقد بكين صفقات اقتصادية عملاقة مع دول المنطقة. لقد أثبتت أزمة غزة أنها بمثابة نعمة لمنافسيْ واشنطن الأساسييْن، ومن ثم فقد اضطرت إلى إعادة الاهتمام بالشرق الأوسط بعد سنوات من السعي إلى التركيز على شرق آسيا. ويشهد العام 2024 إعادة تشكيل للنظام الدولي متعدد الأقطاب بانتهاء لحظة القطب الواحد أو ما يسمى «اللحظة الأميركية».
ولا شك في أن صعود التحالفات والتكتلات الجديدة سيحدد ملامح النظام العالمي الجديد، مقابل تراجع التحالفات والتكتلات الحالية، فالأمم المتحدة اختزلت دورَها في الشجب والإدانة فقط، ولم نسمع عن دور لها على أرض الواقع في الحروب والصراعات، ولم تنجح مؤسساتُها في احتواء الانهيار الاقتصادي. أما حلف «الناتو» فقد تراجع دورُه، كما تراجع دور المنظمات الإقليمية أو تجمد بفعل الاختلافات والخلافات بين الدول الأعضاء.
العالم متعدد الأقطاب الذي تظهر تجلياتُه حالياً ليس تطوراً سلبياً، كما يحاول بعض الساسة والمحللين الغربيين تصويرَه، إذ تستطيع الدولُ الاستفادةَ من النظام الإقليمي المتغير عبر الاحتفاظ بعلاقات متنوعة مع أقطاب النظام والاستفادة من هذه العلاقات لتعظيم منافعها ومصالحها مقارنةً بعهد الثنائية القطبية أو الأحادية القطبية، استناداً إلى مدى قدرة هذه القوى الوسطى على المناورة ومقدار التنازلات التي يمكن أن تنتزعها.
ويبقى خروج النظام العالمي الجديد إلى النور، بأقطابه المتعددة وتحالفاته الجديدة، رهن التكاتف الفعلي من أجل إنهاء الصراعات والنزاعات على مستوى العالم بأكمله. أما كيف سيتطور النظام الجديد متعدد الأقطاب؟ فذلك لا يزال طريقاً غير واضح المعالم.
* كاتبة إماراتية