يقود «المحافظون» بريطانيا منذ 14 عاماً. ولا يحظى الحزب بشعبية كبيرة وخسر في الانتخابات العامة.
هناك شعور واسع النطاق بين الناخبين بأن شيئاً ما قد سار بشكل خاطئ في ظل حكومة «المحافظين»، وأن البلاد تعاني من الركود، إن لم تكن في تدهور خطير. كانت الأمور فوضوية. فقد شهدت بريطانيا خمسة رؤساء وزراء خلال 14 عاماً، بما في ذلك رئيس وزراء استمر 49 يوماً فقط - وهي أقصر حكومة منذ مئات السنين. وتولى تسعة وزراء حقيبة الخارجية بينما تولى ثمانية وزارة الداخلية. وشهدت البلاد أربعة انتخابات وطنية، وتصويتاً على استقلال إسكتلندا مُنيَ بالفشل، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، الذي وافق عليه الناخبون في عام 2016 واكتمل في عام 2020، كان مجرد تحول زلزالي واحد.
فقد تولى «المحافظون» زمام الأمور في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وشاهدوا الوباء يضرب بريطانيا بقوة أكبر من العديد من أقرانها. وكانت تداعيات هذه الأعوام الأربعة عشر نقطة محورية في حملة حزب «العمال»، الذي فاز وأصبح زعيمه «كير ستارمر»، رئيساً للوزراء، من أجل التغيير. ولكن حجم التحديات التي تواجه بريطانيا هو نتيجة للسياسات الخاطئة، والتي كان من الممكن تجنب بعضها. لا أحد في بريطانيا يريد حقاً التحدث عن بريكست بعد الآن - باستثناء «نايجل فاراج»، فيما يعتبره الكثيرون الآن خطأً سياسياً هائلاً، أبقى «ديفيد كاميرون» على «فاراج»، وحزب استقلال المملكة المتحدة، في حظيرة «المحافظين» في الانتخابات العامة عام 2015 من خلال الوعد بإجراء استفتاء على بريكست. وكان رهانه هو أن الناخبين البريطانيين سيرغبون في البقاء في الاتحاد الأوروبي. لكنهم لم يرغبوا ذلك.
وبعد التصويت، أعلن كاميرون استقالته. كانت رئاسة «تيريزا ماي» للوزراء غارقة في فوضى بريكست. وكان «بوريس جونسون» مؤيداً لبريكست. وكذلك رئيس الوزراء الحالي «ريشي سوناك». يعتبر الناس عموماً أن بريكست فاشل. ولكن لا سبيل للرجوع - ليس بسرعة. وكان الدافع وراء التصويت بـ «الخروج» جزئياً هو الخوف من الهجرة.
وكان من المفترض أن يمنح بريكست بريطانيا سيطرة أكبر على حدودها. وفي الواقع، ارتفعت معدلات الهجرة بشكل كبير للغاية. تعهد «كاميرون» و«ماي» بوضع حد لعشرات الآلاف من المهاجرين. ووعد جونسون بخفض هذه الأعداد.
وقال سوناك، إنه «سيوقف القوارب» التي تعبر القناة الإنجليزية بشكل غير قانوني ويرسل طالبي اللجوء إلى رواندا. ولكن، لم تغادر أي رحلات. وقد تضاعف صافي الهجرة السنوية منذ بداية حكم حزب «المحافظين». وتغيرت الجنسيات الوافدة. قبل بريكست، كان معظم المهاجرين على المدى الطويل يأتون من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
أما الآن، فإن غالبية المهاجرين يأتون من بلدان خارج الكتلة، مثل الهند ونيجيريا والصين وباكستان وزيمبابوي. ما يدفع الطفرة هو القرارات السياسية. فالحكومة تريد المزيد من الطلاب الدوليين، الذين يدفعون أعلى للدراسة في الجامعات البريطانية، والعمال لشغل وظائف منخفضة الأجر في دور رعاية المسنين وغيرها من المجالات. قبل بريكست، كانت هناك كلمة مختلفة معلقة على سياسة «المحافظين»: «التقشف».
دفع كاميرون بتخفيضات الإنفاق التي تهدف إلى خفض الدين الحكومي والعجز. ولم يتحقق الهدف قط، حيث وصل الدين العام هذا العام إلى أعلى معدل له كنسبة مئوية من الناتج الاقتصادي منذ الستينيات، لكن التقشف كان له العديد من الآثار الجانبية، بما في ذلك التخفيضات الضخمة للحكومات المحلية التي أضرت بالخدمات مثل المدارس وحمامات السباحة.
وكانت خدمة الرعاية الصحية الوطنية المحبوبة في بريطانيا واحدة من المجالات القليلة التي شهدت ارتفاعاً في التمويل بالقيمة الحقيقية خلال هذه الفترة، لكنها فشلت في الأغلب في مطابقة اتجاهات ما قبل عام 2010، ناهيك عن مواكبة التضخم المرتفع والهجرة واحتياجات السكان المسنين. وفي ظل حكم المحافظين، ارتفعت أوقات الانتظار لتلقي العلاج. ويُعزى ارتفاع معدل الوفيات في بريطانيا خلال جائحة فيروس كورونا على نطاق واسع إلى نظام الصحة العامة المضطرب.
وقد ظل متوسط العمر المتوقع عند الولادة، وهو مؤشر رئيسي لصحة أي بلد، في حالة ركود في بريطانيا منذ عام 2010، مما جعل البلاد في المركز السادس بين مجموعة الدول السبع المتقدمة للغاية. يلقي الباحثون باللوم على التقشف. ويجادلون بأن قيود التمويل على هيئة الخدمات الصحية الوطنية، والرعاية الاجتماعية والخدمات العامة الأخرى، كلفت البريطانيين ما يقرب من نصف عام من متوسط العمر المتوقع. تظل بريطانيا واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، ولكن معدل نموها انخفض كثيراً عن مساره قبل عام 2010.
يلقي المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية الكثير من اللوم على بريكست الذي كلف البلاد بالفعل ما يصل إلى 3% من ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي، أو ما يقرب من 1000 دولار للشخص الواحد. وقد تأخر نمو الإنتاجية، التي تقاس بالناتج الاقتصادي لكل ساعة عمل في جميع أنحاء البلاد، مما يضع بريطانيا في مرتبة أدنى بكثير من العديد من نظيراتها. بدأ التباطؤ مع انتخاب كاميرون قبل 14 عاماً. إذا كانت هناك فرصة جيدة لسنوات حزب «المحافظين»، فهي أن بريطانيا أكدت نفسها كدولة رائدة على مستوى العالم في مكافحة تغير المناخ.
في عهد «ماي»، تعهدت بريطانيا بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى «صافي الصفر» بحلول 2050. وأيد جونسون «الثورة الصناعية الخضراء». لكن سوناك قام بتأجيل فرض حظر على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل لمدة خمس سنوات، قائلاً إن بريطانيا يجب أن تخفض الانبعاثات «بطريقة عملية ومتناسبة وواقعية». وفي الوقت نفسه، زاد استخدام الطاقة الخضراء بشكل كبير. وفي عام 2023، أنتجت مصادر الطاقة المتجددة 47% من الكهرباء في البلاد.
آدم تايلور- ويليام بوث - أرتور جالوتشا - صامويل جرانادوس.
آدم تايلور*
*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية.ويليام بوث – مدير مكتب صحيفة واشنطن بوست في لندن.
أرتور جالوتشا – مراسل يركز على الرياضة.
صامويل جرانادوس - محرر مهام الرسومات في صحيفة واشنطن بوست.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»