للمرة الأولى في ظل الجمهورية الخامسة في فرنسا، يفوز اليمين المتشدد في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية. حيث فاز «حزب التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية.
ويسعى معارضو «التجمع الوطني» جاهدين في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية لمنعه من الحصول على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، ولتحقيق الأغلبية المطلقة يلزم الفوز بما لا يقل عن 289 مقعداً. وقد مر صعود اليمين المتشدد بمحطات عدة، بدءاً من تأسيس «حزب الجبهة الوطنية» في عام 1972 على يد الجندي السابق جان ماري لوبان، وهو حزب يميني متشدد يتألف من قدامى المحاربين.
وفي عام 1974 خاض لوبان الانتخابات الرئاسية، لكنه حصل على أقل من 1 بالمئة من الأصوات. وعلى مدى السنوات التالية بدأ الحزب باجتذاب المزيد من المؤيدين، وفاز بأولى مقاعده في الجمعية الوطنية عام 1986، وفي عام 1988 حصل على 14.4 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية. وخلال السنوات اللاحقة بدأت أطروحات الحزب تتركز حول المهاجرين المسلمين والأفارقة باعتبارهم أحد اهتماماته السياسية الرئيسية.
وفي عام 1995 فاز «حزب الجبهة الوطنية» بثلاثة مجالس بلدية في الجنوب، هي تولون وأورانج ومارينيان، مما يشير إلى تنامني شعبيته، لكن الصدمة الحقيقية حصلت في عام 2002 حين ترشح لوبان في الانتخابات الرئاسية وحصل على 16.86 بالمئة من الأصوات، ودخل في جولة إعادة مقابل جاك شيراك. ونتيجة لصدمة المجتمع الفرنسي من أداء الحزب في الجولة الأولى من تلك الانتخابات، فقد تضافر السياسيون من اليمين واليسار معاً لمنع لوبان من الفوز في الجولة الثانية، حيث فاز بها شيراك محرزاً أكثر من 80 بالمئة من الأصوات. وفي العام 2011 أصبحت مارين لوبان، ابنة لوبان، الزعيمة الجديدة لحزب الجبهة الوطنية، فخاضت أول انتخابات رئاسية باءت فيها بالفشل، لكن أداء الحزب تحسن فحقق في عام 2014 نتائج مميزة حيث أصبحت له السيطرة على 11 مجلساً بلدياً، كما حصل على المركز الأول في انتخابات البرلمان الأوروبي.
وعادت مارين لوبان للترشح للرئاسة مرة أخرى عام 2017، لكنها خسرت أمام إيمانويل ماكرون. ثم غيرت اسم الحزب إلى «التجمع الوطني» عام 2018، وبدأ الحزب مرحلة جديدة أصبح فيها أكثر قبولاً لدى جمهور أوسع من الناخبين. وفي عام 2022 تم اختيار جوردان بارديلا ليكون الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني، فقاده خلال انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة التي هُزم فيها حزب ماكرون، وهو ما دفع الرئيسَ إلى الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فأصبح بارديلا مرشح «التجمع الوطني» لمنصب رئيس الوزراء.
والآن، يتصدر اليمينُ المتشددُ المشهدَ السياسي الفرنسي بعد أن أصبح قوة سياسية لا يستهان بها، وقد نجح فعلياً في تصدر الانتخابات التشريعية بفارق كبير عن منافسيه. لقد تجاهل الفرنسيون، وعلى مدى سنوات، القوةَ المتنامية لحزب الجبهة الوطنية، حيث لم يأخذ السياسيون الفرنسيون صعودَه على محمل الجد، واعتقدوا أن الحياة السياسية ستستمر، مُكتَفين بدعوة الناخبين -مراراً وتكراراً- للتصويت لأحزابهم في مواجهة «حزب الجبهة الوطنية»، فيما عرف بالاستراتيجية «المضادة لحزب الجبهة الوطنية».
أما وسائل الإعلام فقد قاطعت أو تجاهلت هذا الحزب بدلاً من أن تواجه أطروحاته وحججه بالحقائق. لا شك في أن نوعية التعامل مع حزب الجبهة الوطنية على مدى العقود الماضية، واستمرار الانقسامات بين الأحزاب الفرنسية التقليدية، سببان أدَّيا إلى تحول قطاع رئيسي من الناخبين الفرنسيين نحو التصويت لليمين المتشدد.
* كاتبة إماراتية