أجريت المناظرة الأولى التي طال انتظارها في جملة الانتخابات الرئاسية الأميركية بين جو بايدن ودونالد ترامب يوم الخميس 27 يونيو الماضي. وأقل ما يمكن قوله في التعليق عليها هو أنها لم تصب في مصلحة الرئيس المنتهية ولايته، إذ يبدو أن دونالد ترامب كان الفائز الأكبر في هذه المناظرة، لأن أداء جو بايدن لم يكن مقنعاً لدرجة أن المناظرة أثارت مخاوف بشأن قدرته على مواصلة الحملة حتى نهايتها. صحيح أن جو بايدن سياسي محترم، لديه سجل إيجابي عموماً، ولاسيما في الاقتصاد.

ولكن هذا لا يعتد به كثيراً في الحملة الانتخابية. فخلال المناظرة، شنّ دونالد ترامب سلسلة من الهجمات على جو بايدن، ووجه له اتهامات دون تقديم أي دليل يدعم ادعاءاته، وملمّحاً إلى أن الرئيس الحالي مأجور من قبل قوى خارجية. كما اتهم دونالد ترامب جو بايدن بتحريض روسيا على مهاجمة أوكرانيا مؤكداً أنه سيحسم هذه الحرب بشكل سريع جداً. وفضلاً على ذلك، قال ترامب، إن جو بايدن هو المرشح المؤيد للمهاجرين الذي سمح لأعداد هائلة منهم بدخول الولايات المتحدة وارتكاب جرائم على أراضيها. كما حمّله مسؤولية «إخفاق كابول»، علما بأنه هو من وقّع اتفاقاً مع «طالبان» قبل مغادرته السلطة. كما قال ترامب، إن جو بايدن أضحى أضحوكة جميع رؤساء الدول الآخرين، في حين يحظى هو باحترامهم، وبالتالي سيجعل الولايات المتحدة تحظى بالاحترام في الخارج أيضاً. ولكنه كان أكثر إقناعاً في اتهامه لهنتر بايدن، نجل الرئيس، الذي يعاني من بعض المشاكل القانونية ويمثّل في الواقع وصمة تصم سجل جو بايدن، الذي يريد أن يكون المرشح النزيه الذي لا تشوب سيرته شائبة، على عكس دونالد ترامب.

وبالطبع، هاجم جو بايدن دونالد ترامب على خلفية دعاواه ومتاعبه القضائية العديدة وحقيقة تفاصيل قضية «شراء الصمت» التي تتضمن علاقة ترامب مع ممثلة، غير أنه من المستبعد أن يكون لكل هذه الأمور، المعروفة أصلاً، أي تأثير على الناخبين «الجمهوريين»، والواقع أن المحاكمات الرئيسية التي سيتعين على دونالد ترامب مواجهتها ستحدث بعد الانتخابات وليس قبلها. خلال هذه المناظرة، كانت هناك عدة لحظات من التردد وعدم اليقين، وخاصة حينما تناظر المرشحان حول من منهما أفضل في لعب رياضة الجولف أو من منهما يستطيع اجتياز اختبارات القدرة الصحية والذهنية بنجاح. وعلى كل حال، يمكن القول إن جو بايدن أخطأ حينما وافق على إجراء مناظرة في وقت مبكر جداً من الحملة الانتخابية. والجدير بالذكر هنا أنه لن تكون هناك مناظرة أخرى قبل 10 سبتمبر، ويبدو أن الضرر قد وقع بالفعل. جو بايدن لن يكون قادراً على تدارك التأخر الذي سجّله أمام 50 مليون مشاهد تلفزيوني قبل هذا التاريخ. وفي غضون ذلك، سيعقد مؤتمر الحزب «الديمقراطي»، والذي من المحتمل أن يؤكد الاحتجاجات المتزايدة داخل المعسكر «الديمقراطي» ضد الرئيس، ولا سيما بسبب جموده بشأن غزة.

ويذكر هنا أن الشرق الأوسط كان أحد المواضيع التي انتقد دونالد ترامب بايدن بسببها، حيث يَعتبر المرشحُ «الجمهوري» أن الرئيس الحالي لا يؤيد إسرائيل بما فيه الكفاية. وعليه، بات يبدو من الواضح بشكل متزايد أن محاولة إعادة انتخاب جو بايدن تواجه مشاكل. فالجميع يعلم مشاكله، بل وحتى مشاكله في الحركة. ولئن استطاع القيام بحملته الانتخابية قبل 4 سنوات لأنه قام بذلك انطلاقاً من منزله إبان الجائحة، فإن سباق التجمعات الانتخابية انطلق الآن، والرئيس الأميركي يبدو غير قادر عليه بالفعل. وعلى هذه الخلفية، سيكون من الصعب بعث الثقة في نفوس الناخبين، في حين يبدو دونالد ترامب أكثر قوة.

ما الذي يمكن أن يحدث؟ جو بايدن لا يمكنه الاعتماد على نائبته كامالا هاريس، التي لم تترك انطباعاً حقيقياً على مدى الأربع سنوات الماضية. فهل سيتنحى؟ ولمصلحة من؟ أم أنه سيستمر في تعريض حزبه وبلده للخطر عبر السماح بانتخاب ترامب؟ في الوقت الراهن، يبدو أن المرشحين متساويان في استطلاعات الرأي، ولكن مناظرتين من هذا النوع لا بد أنهما ستقضيان على حظوظ جو بايدن لصالح دونالد ترامب.

فهل سيطلب منه «ديمقراطيون» كبار – مثل نانسي بيلوسي وتشاك شومر -- سحب ترشيحه؟ هذا الاحتمال يظل قائماً، غير أنه إذا كان جيمي كارتر وبيل كلينتون قد تمكنا من إقناع الناخبين بالتصويت لهما رغم عدم شهرتهما في البداية، فإنه كانت لديهما حملة كاملة ليتعرف عليهما الناخبون. وهذا لن يكون متاحاً للشخص الذي يمكن أن يحل محل جو بايدن في الحملة الانتخابية. ومن ثم يطرح السؤال: كيف يمكن الاستجابة للقلق، بل والذعر، الذي يسيطر على المعسكر «الديمقراطي» حالياً؟ الواقع أنه سيكون من الصعب على جو بايدن أن يجد من الآن وحتى موعد الانتخابات فرصة جديدة للانبعاث والعودة بقوة.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.