يبرز اليمين السياسي في سماء أوروبا الغربية، مع سطوع ثلاث نجمات من النساء «جورجيا ميلوني في إيطاليا، ومارين لوبان في فرنسا، أليسا فايدل في ألمانيا»، اللاتي يَقُدنَ أوروبا نحو أقصى اليمين، فربما تناست المرأة الأوروبية أو جحدت الليبرالية التي مكنتها من الحضور السياسي والاجتماعي وكسرت من أجل حقوقها أغلال اليمين وخضوعها للرجل والكنيسة.
بعد أن حققت السيدة «جورجيا ميلوني» فوزاً عبر حزبها «أخوة إيطاليا» في الانتخابات التشريعية ووصلت إلى السلطة في إيطاليا في ظل استمرار أزمة الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية والتي توصف بتصدي روسيا القومية المحافظة في وجه تمدد الليبرالية الغربية، ها هي «مارين لوبان» زعيمة حزب التجمع الوطني مع الحضور البارز لـ «جوردان بارديلا» تتصدر الانتخابات التشريعية في فرنسا على عكس ما راهن عليه الرئيس الفرنسي «ماكرون» من خشية الناخبين احتمال تشكيل حكومة يمينية متشددة. تعددت أسباب بروز اليمين المتشدد في أوروبا من تدفق المهاجرين واللاجئين ومعارضة فكرة وقبول التعددية الثقافية والهجرة، إلى إخفاق بعض السياسات العامة كمواجهة البطالة وقانون التقاعد في فرنسا، ومحاولة اعتماد ألمانيا على الطاقة الأحفورية والنووية حيث يرى حزب «البديل من أجل ألمانيا» بأنها أقل تكلفة مالية وتتطلب مساحة أصغر مقارنة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، علاوة على كل ذلك، المسار اليميني السياسي يتصادم مع الليبرالية في قضايا تفكك الأسرة وانخفاض المواليد، وثمة حقيقة لا تقبل الجدال في أوروبا، وهي أن جوهر الفاشية مازال موجوداً في الوعي الأوروبي عبر رؤية التجانس الثقافي الكلي الغالب والسائد على الأقليات الثقافية الأخرى، والتي لا تريد اضمحلال القومية حتى عبر الإدماج الأوروبي.
وهناك بعض التناقضات في اليمين السياسي، كموافقة «ميلوني» على دخول الكثير من الأجانب لدواعي العمل في إيطاليا عبر رؤية براجماتية، كما أن أليسا فايدل قائدة حزب «البديل من أجل ألمانيا»، تبدو متناقضةً في قضية الأجانب عبر شخصيتها، إلا أنها تحدثت عن فكرة ترحيل الكثير من الأجانب رغم الحصول على الجنسية بحجة أنهم لم يندمجوا في المجتمع الألماني إلى جانب الذين لهم سجل مظلم. وتنفرد ألمانيا بتنبؤات وضعتها مؤسسة «راند» الأميركية، فقد تستطيع برلين تشكيل وقيادة كتلة اقتصادية وصناعية ضخمة نحو أوروبا الشرقية والوسطى بالتعاون مع روسيا، خاصةً في ظل انهيار المنظومة الغربية الليبرالية بالقيادة الأميركية، والتي يعتقد ويقدم المفكر الفرنسي «إيمانويل تود» الشهير بكتابهِ ذائع الصيت «هزيمة الغرب» بحتمية انهيار الليبرالية الغربية عبر مؤشرات موت القيم المسيحية البروتستانتية التي تخدم العمل والتسامح والادخار وتماسك المجتمع، ومحاولة تطبيق القيم الليبرالية المادية على المجتمع وأخذها معياراً للعلاقات الدولية. فاليمين المتشدد في أوروبا ربما يتحول إلى تيار المحافظين، ولكنهُ في الآنية المعاصرة سيشجع مجتمعات وشعوباً وأمماً أخرى على التعصب والتصادم مع الأقليات، حقاً، ليس كل ما تنتجهُ الديمقراطية بالاقتراع سيتوافق مع الإنسانية والسلم والأمن الاجتماعي.
*كاتب ومحلل سياسي