لا يلتقي الرئيس «تيودور روزفلت» مع الرئيس «فرانكلين روزفلت» في اسم العائلة فحسب، بل يعدّ الاثنان من أبرز القادة في تاريخ الولايات المتحدة. قادَ تيودور روزفلت الولايات المتحدة إلى مستوى القوة البحرية الأولى في العالم، ومن ثم الإمبراطورية التي تهيمن على العلاقات الدولية حتى اليوم. وقادَ فرانكلين روزفلت الولايات المتحدة في أكبر أزمتين واجهتا البلاد في القرن العشرين.. الأزمة الاقتصادية العالمية «الكساد الكبير» والحرب العالمية الثانية. زار الرئيسان روزفلت مصر عدة مرات، زارها الرئيس «تيودور» مرتين، واحدة وهو في سنّ صغير، وكان بصحبة عائلته، والثانية عقب مغادرته البيت الأبيض بقليل، وما بين الزيارتين (38) عاماً.

وزارها الرئيس «فرانكلين» ثلاث مرات أثناء وعشيّة الحرب العالمية الثانية، وفي مصر التقى الرئيس الصيني «شيانج كاي شيك» ورئيس الوزراء البريطاني «ونستون تشرشل».. كما التقى الملك عبد العزيز آل سعود، والرئيس التركي عصمت إينونو، والإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي. وقد وجّه الرئيس فرانكلين روزفلت الدعوة للملك فاروق لزيارة الولايات المتحدة، لكنه لم يذهب. ومن بين أنشطة الرؤساء الأميركيين في مصر، ألقى الرئيسان «تيودور روزفلت» و«باراك أوباما» خطاباً في جامعة القاهرة.. كما منحت «الجامعة المصرية- جامعة القاهرة» الدكتوراه الفخرية للرئيس روزفلت.

وقامت صحيفة «نيويورك تايمز» بتغطية زيارة تيودور روزفلت إلى مصر، من استقبال الخديوي عباس حلمي له في قصر عابدين، إلى حفل استقباله في فندق مينا هاوس، وإقامته في فندق شبرد.. ثم إلى زيارته الأهرامات وقيامه بمحاولات تسلقها، وجولته في عدة مواقع أثرية من الأقصر إلى سقارة. كما غطّت الصحافة الأميركية غداءَه على النيل، واستقباله وفد الجمعية الجغرافية الخديوية، وزيارته الأزهر الشريف ولقائه الإمام الأكبر الشيخ سليم البشري، وزيارته دار البطريركية ولقائه البابا كيرلس الخامس، وكذلك زيارته المتحف القبطي، والكنيسة المعلقة، ومنزل قليني باشا فهمي في حلوان.. ثم خطبته في نادي الضباط المصريين، وخطابه الشهير في جامعة القاهرة برئاسة الأمير أحمد فؤاد.

أبدى تيودور روزفلت احترامَه الكبير للحضارة المصرية، وقدم نصائح لطلاب وخريجي جامعة القاهرة.. حيث أكد على أن تهذيب الشباب يجب أن يحتل الأولوية، وأن الأمم في رقيّها تحتاج إلى الأخلاق أكثر مما تحتاج إلى العلم. وقال: إن التعليم لا يكتمل بالحصول على شهادات التخرج، وحذّر الطلاب المصريين من الخمول بعد الحصول على الشهادة، ونصحهم بالتدريب واكتساب المهارات والمعارف.

لكن الرئيس روزفلت أخطأ كثيراً بانتقاده الحركة الوطنية في مصر، وتقليله من شأن الاستقلال والدستور، وما عليه المصريون من الطموح في منافسة الغرب في الحرية والمكانة.. وكان أن هاجمته الصحف المصرية، وشنّ «الحزب الوطني» - أكبر الأحزاب المصرية - حملةً عليه، وطالب بسحب الدكتوراه الفخرية منه. كما انتقده الزعيم محمد فريد والشاعر حافظ إبراهيم وأحمد لطفي السيد.

وقد روى المؤرخ عبد الرحمن الرافعي وقائع تلك المعركة. وكأنّ المائة عام السابقة لم تكن، وكأن تيودور روزفلت لم يمت، فما يزال بعض الغرب يرى مصر تاريخاً لا مستقبلاً، يطلب الحداثةَ لبلاده ويعرقلها في بلادنا. قبل (104) سنوات تسلّق روزفلت الأهرامات ليصعد على التاريخ، واليوم فإننا نواجه المعضلة ذاتها.. كيف ننتزع الحداثة من الغرب انتزاعاً؟.. وكيف نتجاوز القشور إلى اللباب، والشراء إلى العطاء.. إلى ما نريد لا ما يريدون؟

*كاتب مصري