توفر الآلاف من أنواع العث (السوس) والذيل الربيعي، (أو ذوات الذنب القافزة)، التي تعيش في التربة في جميع أنحاء العالم، خدمة حاسمة من خلال مضغ المواد العضوية مثل الأوراق المتساقطة والخشب، ونقل الكربون الذي يزيد من حرارة الكوكب إلى الأرض، وإطلاق العناصر الغذائية التي تساعد النباتات الجديدة على النمو. تعد أنواع العث والذيل الربيعي من اللافقاريات التي تعيش في التربة، لكنها إلى حد ما العمود الفقري الحقيقي لدورة الكربون على الأرض.
ولكن الآن، يشير تحليل جديد يجمع بيانات من 38 دراسة مختلفة حول الكائنات الحية إلى أن الجفاف في بعض أجزاء العالم، والذي غالباً ما يكون بسبب تغيّر المناخ، يقتل هذه الكائنات بمعدلات مثيرة للقلق. تقول «إينا شيفر»، باحثة بيئة اللافقاريات في التربة في مركز لوي لجينوميات التنوع البيولوجي الانتقالي في فرانكفورت، بألمانيا: «من المهم الاهتمام بهذه المخلوقات على وجه الخصوص، لأننا لا نعرف سوى القليل عنها». وبينما تعيش بعض هذه الكائنات في أعماق التربة، يقضي بعضها الآخر معظم حياته متجولاً على السطح. لا يفهم العلماء تماماً كيفية تحلل المواد العضوية، لكن الأبحاث الجزيئية الجديدة تُظهر أن حشرات الذيل الربيعي لديها في الواقع جينات خاصة لهذه المهمة. (هذه ليست موهبتهم الوحيدة: فبعض طيور الذيل الربيعي يبلغ حجمها تقريباً حجم حبة الرمل، ويمكنها أن تقذف نفسها في الهواء مثل بهلوان السيرك، وتدور حتى 500 مرة في الثانية.
ويعتقد العلماء أنها قد تكون وسيلة للهروب من الحيوانات المفترسة). لم يتم دراسة العث وذوات الذيل الربيعي على نطاق واسع، على الرغم من أهميتها، لكن العلماء يعرفون أن بعض المخلوقات ذات الأجسام الرخوة حساسة للغاية للرطوبة في بيئتها. وعندما تجف التربة، خلال أوقات الجفاف، فإن هذه الكائنات يمكن أيضاً أن تجف وتذبل وتموت. وفي المتوسط، يتقلص عددها بنسبة هائلة تصل إلى 39% خلال فترات طويلة دون هطول الأمطار، وفقاً للتحليل الذي نُشر الشهر الماضي في مجلة «جلوبال تشينج بيولوجي» Global Change Biology. وقال «فيليب مارتن»، الباحث في مركز الباسك لتغير المناخ في ليوا بإسبانيا، وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، إنه كلما اشتدت موجة الجفاف، زاد انخفاض أعدادها. وأضاف أنه في ظل الظروف القاسية، «فإنك تخسر أكثر من 39% من أعدادها».
أشارت الأبحاث السابقة إلى أن وفرة مجموعات الذيل الربيعي ترتبط على نطاق واسع بالحرارة. إذ إن كل درجة مئوية زيادة في درجة الحرارة يقابلها انخفاض في أعداد ذيل الربيع بنسبة 10% تقريباً، وفقاً لتحليل عام 2023. قال «جيرارد مارتينيز دي ليون»، المرشح للحصول على درجة الدكتوراه في علم البيئة الأرضية بجامعة برن في سويسرا، عن طيور الذيل الربيعي أثناء موجات الحر: «إذا كانت هناك درجات حرارة مرتفعة جداً لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر، فهذا يؤثر عليها بشكل مباشر. ربما بقدر ما يفعله نقص الرطوبة». وأشار بحث نُشر في يناير إلى أن الجفاف يؤدي أيضاً إلى تغيير وتقليص أعداد الفطريات التي تعيش في التربة، وهو ما تتغذى عليه طيور الذيل الربيعي في الغالب.
ومع ذلك، هناك بعض العوامل التي تلعب لمصلحة سكان التربة. بشكل عام، يعمل العث (أو السوس) بشكل أفضل في الحرارة من العث الربيعي، وتشير الدراسات إلى أن بعض أنواع العث أفضل من غيرها في تحمل الحرارة والجفاف. عندما تصبح الأوقات صعبة، تتحرك بعض اللافقاريات إلى عمق أكبر في التربة، أو تنتقل إلى أماكن أكثر رطوبة في محيطها، على سبيل المثال، تحت صخرة. وتختار أنواع أخرى أنظمة غذائية جديدة، وتعدل من تفضيلاتها.
وتأثيرات تغير المناخ ليست هي نفسها في جميع أنحاء العالم. إن زيادة درجة الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، على سبيل المثال، وانخفاض رطوبة التربة بنسبة 20%، سيكونان لهما تأثير مختلف على الصحراء الواقعة عند خطوط العرض الوسطى، أو الأراضي الخثية (أراض تتضمن نباتات ميتة غير متحللة تراكمت على مدار آلاف السنوات، تمثل 3% من اليابسة، وتسمى أيضاً البيتموس) عند خطوط العرض العليا، أو الغابة الاستوائية، وفقاً لـ «زوي ليندو»، خبيرة التنوع البيولوجي للتربة في معهد البحوث البيئية بجامعة ويسترن أونتاريو. وقد أظهر بحثها أن مجموعات مختلفة من الاحترار والترطيب، والتجفيف والتبريد، تؤثر على مجتمعات التربة بشكل مختلف. وقالت ليندو: «تتفاعل العديد من المكونات المختلفة بطرق تتغير باستمرار، وكلها تؤثر في ثراء ووفرة وتكوين التنوع البيولوجي للتربة في وقت واحد».
ومن المهم أيضاً ملاحظة أنه في حين أن بعض المناطق ستشهد المزيد من حالات الجفاف مع تغير المناخ، فمن المتوقع أن تشهد مناطق أخرى هطول أمطار أكثر وفرة. هناك أكثر من 12000 نوع معروف من عث الأوريباتيد، و9000 نوع من أنواع العث الربيعي، لكن العلماء يعتقدون أن هذه الأعداد قد تمثل 20% فقط من ثراء الأنواع العالمية.
قد يكون هذا النقص في المعلومات أكبر مشكلة تواجه اللافقاريات الموجودة في التربة. أكثر من نصف التنوع البيولوجي على كوكب الأرض موجود في مكان ما تحت أقدامنا، بالإضافة إلى العث، وهي من فصيلة العنكبويات، والذيل الربيعي، والتي كانت تصنف على أنها حشرات، ولكن لديها الآن مجموعة خاصة بها تسمى «كوليمبولا»، هناك نحو 430 مليون نوع من البكتيريا، وما يقرب من 6 ملايين نوع من الفطريات، ونحو 20000 نوع من الديدان في التراب. ولكن هناك ندرة في البيانات المتعلقة بعدة أجزاء كبيرة من الكوكب، ولأننا لا نفهم تماماً كيفية مساهمة كل نوع في النظام البيئي، فإننا لا نعرف ما الذي قد يحدث إذا فقدناه.
صوفيا كواليا*
صحفية مستقلة متخصصة في العلوم.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»