تُعد زراعة الأعضاء العلاجَ الأمثل في حالات فشل الأعضاء، والاختلال المزمن في وظائفها، وقد بادرت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع الجهات المعنية إلى سن القوانين التي تنظم زراعة الأعضاء في الدولة، كما برزت مراكز رائدة في مختلف إمارات الدولة متخصصة بهذه العمليات المعقدة نسبياً، ولا سيما في الجانب اللوجيستي، كتحديد المتبرعين المحتملين، والحصول على الموافقات اللازمة من المتبرع أو ذويه، ثم المطابقة بين المتبرع والمتلقي.
وتضطلع تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم بدور مهم في زراعة الأعضاء، إذ تُجرَى بعض الجراحات بمساعدة الروبوتات، ويَمنَحُ ذلك الجراحينَ مزيداً من الدقة والثبات، ويحسِّنُ نتائجَ العمليات، ويرتقي بتجربة المريض. ويُعد الذكاء الاصطناعي أداةً ثورية أيضاً، ذات إمكانات ضخمة لتحسين مجال زراعة الأعضاء البشرية، ابتداء من تحسين دقة التشخيص إلى رفع كفاءة عملية المطابقة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن دقة التشخيص عن طريق تحليل الصور الطبية، كما في التصوير المقطعي المحوري، والرنين المغناطيسي، لتقييم حالة أعضاء المريض بدقة كبرى، إلى جانب تحليل البيانات السريرية للمرضى لتحديد مخاطر فشل الزراعة، وتحليل البيانات السريرية لتحديد مخاطر فشل العضو المزروع مستقبلاً، ومن شأن ذلك كله أن يحسن عملية اختيار المرضى المناسبين للزراعة، ويقلل مخاطر المضاعفات بعدها.
وتتميز اللوجريتمات المعتمِدَة على الذكاء الاصطناعي في المجمل بأن نتائجها أفضل من الأدوات الإحصائية التقليدية، ويمكنها أن تتنبأ بالنتائج السريرية عقب عملية الزراعة، ويُمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يطوِّر خوارزميات مطابقة، أكثر كفاءة لتحديد أفضل مانح للأعضاء لكل مريض، عن طريق تحديد بعض العوامل: كعمر المانح، وصحة الأعضاء، ونوع الدم، والتوافق المناعي، ويُؤدي ذلك بدوره إلى تقليل وقت الانتظار، وتحسين فرص بقاء المرضى على قيد الحياة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يدعم الأطباء في اتخاذ أفضل القرارات بشأن رعاية المرضى في مرحلة التعافي، إلى جانب تطوير برامج تفاعلية لتثقيف المرضى وأسرهم وعموم المجتمع بشأن زراعة الأعضاء، وأهمية المبادرة والتبرع. ولا شك في أن التطبيقات المستقبلية للذكاء الاصطناعي في مجال زراعة الأعضاء واعدة جداً، وستشمل تطوير تقنيات جديدة لحفظ الأعضاء مدةً أطول قبل الزراعة، وتطوير تقنيات أخرى لطباعة الأعضاء ثلاثية الأبعاد باستخدام خلايا المريض نفسه، ما يقلل الحاجة إلى استخدام الأدوية المثبطة للمناعة لمساعدة الجسم على تقبل العضو المزروع.
وكما هو متوقع في جميع التقنيات الحديثة، فلا شك في اشتمال استخدام الذكاء الاصطناعي بمجال زراعة الأعضاء على عدد من التحديات، مثل الحاجة إلى مزيد من البيانات الضخمة، والعالية الجودة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وضمان خلو هذه النماذج من التحيز في اتخاذ القرار، إلى جانب ضمان الخصوصية، وتطبيق الأخلاقيات الطبية المرتبطة بزراعة الأعضاء، وضرورة التحقق الخارجي والمستقل من صحة البيانات، والتزام الشفافية والحياد فيما يتعلق بالمنهج الذي تتَّبِعُه هذه النماذج.
*أستاذ مشارك، قسم علم الامراض، جامعة الإمارات العربية المتحدة