تحتوي التربة والصخور على كميات من النظائر المشعة، ويتنقل جزء منها عبر الذوبان من صخور الخزانات الجوفية تحت الأرض إلى المياه الجوفية إذا توافرت الظروف الكيميائية والفيزيائية الملائمة، وتتحكم في ذلك عوامل، منها: درجة قلوية المياه، وظروف الأكسدة والاختزال، ولكل عنصر مشع تفضيلات مختلفة تسمح له بالذوبان من عدمه.
وقد استغل العلماء وجود هذه النظائر المشعة في الخزانات الجوفية، وعدُّوها مؤشرات إلى اتجاهات تدفق المياه، ومدى احتمالية تلوثها، وتنبؤوا بها على بعض المخاطر الطبيعية، مثل الزلازل، إلى جانب البحث عن الثروات المعدنية، ومصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الحرارية في باطن الأرض. وقد ثَبُتَ نجاح استخدام النظائر المشعة الطبيعية بصفتها أداة ومؤشراً فاعلاً في الدراسات البيئية، والكشف المبكر عن المخاطر، وذلك بسبب حساسيتها للتغيرات الصغيرة في النظام البيئي المحيط.
ويُستخدَم حالياً غاز الرادون المشع على نطاق واسع في بحوث خزانات المياه الجوفية، ويعود ذلك إلى خصائصه، كقصر عمر النصف الحيوي له -لا يتجاوز 3.8 يوم- وطبيعته الغازية التي تسمح له بالتنقل على نطاق أوسع مقارنة بالنظائر المشعة الأخرى ذات الطبيعة الصلبة في أصلها، مثل اليورانيوم والراديوم. ويتوافر الرادون في المياه الجوفية تحت الأرض بتركيز أكثر أربع مرات من تركيزه في المياه السطحية، مثل الأنهار والبحيرات، وذلك بسبب تسربه بسرعة حال ملامسته الغلاف الجوي في المياه السطحية المكشوفة، في حين يصعب تسربه من المياه الجوفية إلى الخارج، بسبب طبقات الرواسب والصخور التي تزيد احتمالية الاحتفاظ بغاز الرادون في نطاق الخزان الجوفي.
وعند ملاحظة ارتفاع غير متوقع لتركيز غاز الرادون في المياه السطحية، فإنه يُتَوَقَّع وجود تغذية من المياه الجوفية للمياه السطحية بسبب وجود اتصال سفلي، ويتطلب ذلك دراسات إضافية، ومتابعة مستمرة للقياسات الكيميائية الطبيعية في المياه، لأن وجود اتصال يعني إمكانية تنقل الملوثات البشرية الموجودة في المياه السطحية إلى المياه الجوفية أيضاً، كما يُستخدَم الرادون في بعض المناطق لتتبع ذوبان الجليد الناتج من التغير المناخي، ولا سيما عند استخدام التوقيت المناسب لجمع العينات بحيث لا يتجاوز 20 يوماً من تدفق الجليد الذائب حول الصخور الباعثة لغاز الرادون المشع، وهو ما يمثل نظام إنذار مبكراً لمواجهة مخاطر الذوبان في المناطق المجاورة. وليس هذا فحسب، إذ يُستخدم غاز الرادون المشع أيضاً في تقدير الآثار البيئية لتدفق المياه الجوفية إلى مياه البحر في عمليات المد والجزر، وعند تغير مناسيب المياه الجوفية بقرب المناطق الساحلية.
وتَستخدِم معظمُ الدراسات ذات الصلة غاز الرادون مؤشراً إلى نوع التغييرات التي يسببها غزو المياه الجوفية للبحر -محلياً-، من ناحية التأثيرين الكيميائي والبيولوجي، وتزايد الطحالب، وتأثر توازن الأحياء الدقيقة، وتساعد هذه الدراسات على بناء نموذج دقيق عند أخذ جميع العوامل المهمة بالحسبان: الجغرافية والجيولوجية والكيميائية والديناميكية، ما يؤدي إلى تحسين أنظمة الحماية البيئية، وتقليل الكوارث المحتملة بما يتوازى مع أهداف الاستدامة.
*أستاذ مشارك في قسم علوم الأرض، مدير المركز الوطني للمياه والطاقة جامعة الإمارات العربية المتحدة