يُعتبر التنوع والتعدد الثقافي من الظواهر الإنسانية المهمة التي تحمل تأثيرات عميقة على بنية المجتمع وتطوره. مع تزايد انفتاح دولة الإمارات العربية المتحدة على العالم، أصبح من الضروري فهم هذه الظاهرة ودراستها بشكل معمق. يؤثر الاندماج الثقافي بين الثقافات المتباينة الموجودة في بيئة واحدة إلى حد بعيد على الثقافة الوطنية لهذه البيئة. يساهم التداخل الثقافي في إثراء المجتمع بالعديد من العادات والتقاليد الجديدة، مما يؤدي إلى نشوء ثقافة متجددة تعكس هذا التفاعل. ومع مرور الوقت، يمكن أن يحدث تغيير جذري وتراكمي، قد يؤدي إلى نشوء ثقافة جديدة تماماً.
في بعض المجتمعات يكون تأثير الثقافات الدخيلة سريعاً، بينما يكون أبطأ في مجتمعات أخرى، ويعود ذلك إلى الدور الذي تقوم به هذه الثقافات ومدى قوة تأثيرها. أما التعايش الثقافي، فهو يشير إلى تعايش أكثر من ثقافة في داخل المجتمع الواحد ضمن الحيز الجغرافي. هذه الثقافات تعيش حالة من الاحترام المتبادل والقبول لمفردات التباين والاختلاف بين الثقافات المختلفة، مع حفاظ كل ثقافة على حدودها دون اختراق من الثقافات الأخرى. فلا يحدث تفاعل ثقافي سواء قصير الأمد أو طويل الأمد يؤدي إلى خلق ثقافة هجينة تسود كما يحدث في الاندماج الثقافي. ومع ذلك، لا يمنع هذا حدوث تأثير وتأثر بدرجة ما بين تلك الثقافات. عمق هذا التأثير يرتبط بعمق رسوخ الهوية الأم في لاوعي الأجيال الناشئة. لذلك، رغم التأثيرات الكبيرة للثقافات الدخيلة، من الضروري المحافظة على القيم المجتمعية والثقافة الموروثة لمجتمعنا الإماراتي.
فالتوازن في التفاعل بين الثقافات الأخرى وبين هويتنا الثقافية يعطي مجتمع دولة الإمارات العربية تميزاً وصورة فريدة. لذلك تعزيز الهوية الثقافية يعتبر من المرتكزات الأساسية للمحافظة على تماسك المجتمع. لا يمكن إنكار أن الثقافة متغيرة ومتجددة، وفي حالة تطور مستمر، فهي الواجهة الحقيقية لتقدم المجتمعات على جميع الأصعدة. ومع ذلك، تعزيز الهوية لا يعني ضعف حيوية الهوية، بل يهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ التي تجعل المجتمع متماسكاً مع التنوع الثقافي. مرتكزات الهوية هي المبادئ الأساسية التي لا تتغير، والتي تشبه العمود الفقري للإنسان. تبقى الملامح التي تتغير هي السلوكيات التي تعكس تلك المرتكزات. يجب أن نفرق بين مرتكزات الهوية وملامحها، ويجب التركيز على مهارات كل جزء والعمل على تنشيطهما بخطط واستراتيجيات مدروسة على المدى البعيد. تعتبر الإمارات نموذجاً مثالياً لدراسة تأثير التنوع والتعدد الثقافي. ومع وُجود مئات الجنسيات على أرضها، استطاعت الإمارات أن تخلق بيئة متسامحة ومتناغمة تعزز من قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
والفعاليات الثقافية المتنوعة تُظهر كيفية تحقيق التعايش والتفاهم بين الثقافات. هذا التنوع أسهم في إثراء الثقافة الإماراتية بعناصر جديدة، مع الحفاظ على الهوية الوطنية وقيم المجتمع الإماراتي الأصيلة. التنوع والتعدد الثقافي لهما تأثيرات عميقة على المجتمعات، سواء من حيث التغيير الثقافي أو تعزيز الهوية الوطنية. في الحالة الإماراتية، نجحت الدولة في خلق توازن مثالي بين الاستفادة من التنوع الثقافي والحفاظ على القيم الوطنية، مما يجعلها نموذجاً يحتذى به في التعامل مع التعددية الثقافية. تعزيز هذا التوازن يمكن أن يسهم في بناء مجتمع أكثر تسامحاً وتكاملاً، مستفيداً من التنوع الثقافي في إطار من الاحترام المتبادل والحفاظ على الهوية الوطنية.
*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.