تزداد العلاقات بين الهند والولايات المتحدة الأميركية متانة على خلفية التقارب المتواصل بين البلدين بخصوص العديد من القضايا والملفات. وفي هذا الإطار، أكدت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى الهند هذا الأسبوع على أهمية العلاقة التي تربط بين البلدين.
ومن جانبه، أشّر رئيس الوزراء ناريندرا مودي في فترة ولايته الثالثة في السلطة على الاستمرارية، وكان ذلك واضحاً في هذه العلاقة التي تُعد من أهم العلاقات بالنسبة للهند. إذ تظل الولايات المتحدة الأميركية دولة مهمة بالنسبة للهند، كما كانت زيارة المستشار سوليفان مهمة وسط إشارات من كلا الجانبين تفيد بأن العلاقة ستظل أولوية قصوى.
وعقب المحادثات التي عقدها مع نظيره الأميركي، قال مستشار الأمن القومي الهندي آجيت دوفال، إن على الهند والولايات المتحدة أن تظلا في مقدمة الدول التي تعمل على تطوير التكنولوجيا الحيوية في إطار مصلحة استراتيجية أكبر في المنطقة.
وخلال هذه الزيارة، اتفق مستشارا الأمن القومي على مجموعة من القضايا، وكشفا عن العديد من المبادرات الرامية إلى تعميق التعاون بين الهند والولايات المتحدة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والمعادن المهمة والاتصالات المتقدمة والفضاء الدفاعي. كل هذا تم في إطار مبادرة المائدة المستديرة الهندية الأميركية حول قطاع التكنولوجيا المتطورة والناشئة التي استضافها اتحاد الصناعة الهندية، والتي يُنظر إليها على أنها تمتلك إمكانية خلق منعطف مهم في العلاقات بين البلدين حالياً.
مبادرة كان قد أطلقها رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس جو بايدن في مايو 2022 بهدف تعزيز التعاون بين الهند والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا المتطورة، والذي يتوقع أن يكون له تأثير على الصعيد العالمي بالنظر إلى أن الهند هي الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم في حين تُعد الولايات المتحدة اقتصاداً قوياً يمتلك أحدث التكنولوجيا المتطورة. ولهذا، يُنظر إلى هذه الشراكة على أنها تمتلك الكثير من الإمكانات.
ومن جانبه، أكد سوليفان على الحاجة الملحة لدعم الحكومة للقطاع الخاص الهندي، مسلطاً الضوء على الدعم الحالي من قبل كلا الحزبين للصناعة الهندية في الولايات المتحدة، ومؤكداً أن مبادرة التكنولوجيا المتطورة تمثّل وسيلة للدعم المتبادل وتشجيع مزيد من التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار المشترك لحلول للتحديات المشتركة.
وفي أعقاب هذه المحادثات، اتفق المسؤولان أيضاً على إطلاق شراكة استراتيجية جديدة في مجال أشباه الموصلات بين شركة «جنرال أتوميكس» الأميركية و«3rdiTech»، وهي شركة تكنولوجيا ناشئة معترف بها من قبل الحكومة الهندية، بهدف المشاركة في تطوير عمليات تصميم أشباه الموصلات وتصنيعها من أجل «الذخيرة الموجهة بدقة» وغيرها من الأنظمة الإلكترونية المستخدمة لأغراض الأمن القومي. كما تم الاتفاق على إنفاق «ما يزيد على 90 مليون دولار» من التمويل الحكومي على «معهد التحديات العالمية» الهندي الأميركي على مدى الخمس سنوات المقبلة، وذلك بهدف إقامة شراكات جامعية وبحثية عالية التأثير بين المؤسسات الأميركية والهندية في مجالات تكنولوجيا أشباه الموصلات، والتصنيع، والزراعة والأمن الغذائي، والطاقة النظيفة، والتأهب للأوبئة، وغيرها من مجالات التكنولوجيا المتطورة والناشئة.
وعلاوة على ذلك، اتفق الجانبان على التطوير المشترك لناقل لبعثة فضائية مشتركة بين «آيسرو» و«ناسا» من أجل إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية. كما اتفقا على إطلاق شراكة بين قوات الفضاء الأميركية وشركات هندية ناشئة مثل (114ai) و(3rdiTech) تشمل تطوير الوعي بالأوضاع الفضائية، وتصنيع أشباه الموصلات الاستشعارية العاملة بالأشعة تحت الحمراء، وتكنولوجيا دمج البيانات.
وبالإضافة إلى المحادثات التي جرت على مستوى مستشاري الأمن القومي، أجرى سوليفان أيضاً محادثات مع كل من وزير الخارجية جايشانكار ورئيس الوزراء ناريندرا مودي. والجدير بالذكر هنا أن الهند والولايات المتحدة تقاربتا في السنوات الأخيرة، وهناك كثير من التقارب بين وجهتي نظر البلدين بخصوص عدد من القضايا.
تقاربٌ تتراوح أسبابه الاستراتيجية من تنامي العلاقات في مجال الدفاع إلى بواعث القلق المشتركة مثل النفوذ المتزايد للصين. كما شهد الانخراط العسكري بين الهند والولايات المتحدة تطوراً وسط وعد بتعزيز التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تسعى واشنطن إلى تقوية الهند في المنطقة.
بل يمكن القول إن أحد المحركات الرئيسية للعلاقة بين البلدين هو أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تم تسليط الضوء عليها باعتبارها مجالاً لاهتمام استراتيجي من كلا البلدين. وتؤكد زيارة المستشار سوليفان بعد فترة وجيزة من تنصيب ناريندرا مودي وأدائه اليمين الدستورية كرئيس للوزراء للمرة الثالثة على أن العلاقة تظل قوية. الرسالة التي تحملها زيارة سوليفان، هي أن العلاقات بين البلدين ستبقى طبيعية في الوقت الراهن ومستقرة، وأن التعاون سيستمر في التوسع مستقبلاً. وبالنسبة للهند، تظل الاستمرارية في العلاقات مهمة رغم أي مطبات قد تعترضها على الطريق.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي