يوم الأحد 9 يونيو، قال الناخبون في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كلمتهم. ففي فرنسا، حطّم حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف كل الأرقام القياسية وحصل على ضعف ما حصل عليه الحزب الرئاسي. ولئن كانت هذه النتيجة قد شكّلت صدمة، فإنها لم تشكّل مفاجأة بأي حال من الأحوال على اعتبار أن استطلاعات الرأي كانت تتوقع ذلك منذ بداية الحملة الانتخابية. ولعل المفاجأة الحقيقية في فرنسا هي إعلان رئيس الجمهورية بعد ساعة من النتائج عن حل «الجمعية الوطنية».
هناك 3 سيناريوهات أخذت تتضح ملامحها. السيناريو الأرجح هو أن يتسلّم حزب «التجمع الوطني»، الذي بات متحالفاً الآن مع جزء من اليمين الفرنسي، مفاتيح الحكومة. والسيناريو الثاني هو أن تكون هناك تعبئة وهبّة لصالح الرئيس ماكرون وحزبه، ولكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً إلى حد ما بالنظر إلى الاتجاهات الأولية. أما السيناريو الثالث، فهو أن تتمكن كتلة اليسار، التي نجحت في تجاوز انقساماتها لطرح مرشح واحد فقط في كل دائرة انتخابية، من الفوز بالأغلبية. 
ومما لا شك فيه أن هذا الوضع يؤثّر على صورة فرنسا في الخارج: فرئيس الجمهورية يتأثر بشكل خاص جراء النتائج المتدنية جداً التي حصل عليها حزبه السياسي والنتائج المهمة التي حققها معارضوه. كما أن وضعه الدولي تأثّر بذلك بالضرورة، في ظرف دولي يتسم بكثير من التعقيد في ظل الحرب في أوكرانيا، والنزاع في غزة، وقمة حلف الناتو المقبلة. وفي هذا السياق، يبدو إيمانويل ماكرون، الذي يسعى إلى الظهور بمظهر زعيم لأوروبا ولا سيما فيما يتعلق بمسألة أوكرانيا، في موقف ضعيف أمام نظرائه وشركائه، وعلى الساحة الدولية بشكل عام.
وإلى ذلك، يمكن ملاحظة صدمة أيضاً في ألمانيا حيث حلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتشدد، الذي لا يخفي عنصريته، في المركز الثاني بعد حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني» -- اليمين المحافظ -- بحصوله على ما يناهز 15 في المئة من الأصوات، في حين حلّت أطراف الائتلاف الحكومي الثلاثة – «الخضر» و«الليبراليون» و«الاشتراكيون الديمقراطيون» – في مراتب متأخرة. وكل هذا يمثّل صدمة في بلد لطالما شكّل فيه الإرث التاريخي للنازية متراساً ضد اليمين المتشدد. ونتيجة لذلك، أُضعف المستشار شولتس كثيراً أيضاً بالنتيجة التي حصل عليها ائتلافه، في وقت تعاني فيه ألمانيا أصلاً من صعوبات بالنظر إلى أن نموذجها، القائم على الغاز الرخيص من روسيا والصادرات إلى الصين والأمن الذي يوفّره حلف الناتو، أصبح موضع شك وتساؤلات متزايدة بسبب السياق الجيوسياسي المتغير. ونتيجة لذلك، باتت ألمانيا الآن في فترة من الشك وعدم اليقين. 
الرابح الأكبر على المستوى الأوروبي هو من دون شك جورجيا ميلوني التي رفعت نتيجتها، والتي تبدو على رأس حكومة مستقرة في إيطاليا، وهو ما يُعد إنجازاً في حد ذاته. فخلافاً للفرنسيين والألمان، أكد الناخبون الإيطاليون اختياراتهم السابقة.
كيف ستكون التشكيلة الجديدة للبرلمان الأوروبي بشكل عام؟ الواقع أن الائتلاف الذي أوصل فون دير لاين إلى السلطة قبل 5 سنوات -- التحالف بين اليمين و«الديمقراطيين الاشتراكيين» و«الليبراليين» -- حافظ على الأغلبية في البرلمان الأوروبي.
أما الخاسرون الكبار في هذه الانتخابات، فهم من دون شك «الليبراليون»، الذين كان حزب إيمانويل ماكرون في فرنسا يشكّل الجزء الأكبر منهم، و«الخضر» الذين فقدوا ثلث مقاعدهم -- في نوع من التمرد من قبل الناخبين ضد القيود البيئية، وهو ما يُعد أمراً مثيراً للقلق بالنظر إلى التحديات التي يفرضها تغير المناخ.
أخيرا، إذا كان اليمين المتشدد قد عزّز نتائجه وازداد قوة عبر القارة، فإنه ما زال بعيداً عن تحقيق الأغلبية. وبالمقابل، فإن ما ينبغي ملاحظته بشكل موضوعي هو أن اليمين المتشدد بات بصدد الفوز في معركة الأفكار وأنه نجح في فرض جزء من برنامجه على الأحزاب الأخرى. وباستخدام وصف غرامشي، يمكن القول إن هناك انتصاراً لليمين المتشدد في أوروبا. 
يبقى هناك سؤال مهم واحد بالنسبة لباريس هو: هل ستستقبل فرنسا العالم بأسره في 26 يوليو المقبل بحكومة يمينية متشددة بمناسبة الألعاب الأولمبية؟ وهل ستجسّد عالميةَ الألعاب الأولمبية حكومةٌ يمينية متشددة في فرنسا؟ من الناحية المؤسسية، ستمثَّل فرنسا بشكل رئيسي من قبل عمدة باريس ورئيس الجمهورية، وستكون الحكومة أقل مركزية بالضرورة، وذلك خلافاً للجنة المنظمة للألعاب التي ما زال يرأسها البطل الأولمبي توني إستانغوا الحائز على الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية ثلاث مرات. ولكن هذا لن يحول دون إرسال صورة فرنسا ضعيفة لم تعد تعرف بالضبط إلى أين تتجه، صورة تضع علاقاتها مع العالم الخارجي موضع شك. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.