بعد مرور عامين ونيّف على اندلاع حرب أوكرانيا كان بإمكان مجموعة الدول الصناعية السبع أن تتخذ قرارات وإجراءات تشير إلى إرادة دولية بوضع حدّ لهذه الحرب، خصوصاً وأن المسار العسكري على الأرض آخذ في التوسّع لمصلحة روسيا وبات من الصعب وقفه أو فرض تراجعه في ضوء ما تبدّى من فوارق في ميزان القوى.

فالمتغيّرات الميدانية وتعقيداتها كانت وما تزال تستدعي البدء بإيجاد فرص ومبادرات لتجميد الأعمال القتالية والتمهيد للتفاوض والبحث في مستقبل العلاقة بين الدولتين المتحاربتين، إذ أن أحداً في أوروبا أو الولايات المتحدة لا يعتقد بواقعية العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل بدء الحرب.

وعدا فشل المفاوضات الثنائية المبكرة ثم توقفها نهائياً، فُوّتت فرص المؤتمرات التي عُقدت في عواصم أوروبية عدة، وكانت هناك محاولة أخيرة لمؤتمر في سويسرا، وقبل ذلك أجهض التعامل مع مبادرة عرضتها الصين وأبدت موسكو وكييف شيئاً من الإيجابية تجاهها. على العكس، شهدت قمة الدول السبع في إيطاليا ما يمكن اعتباره تكريساً لنقلة نوعية في دعم أوكرانيا، وبالتالي دعم «استمرار الحرب»، رغم تداعياتها الداخلية في دول المعسكر الغربي. ففي واشنطن أخّر الكونغرس قانون المساعدة المخصّصة لأوكرانيا ثم مرّره بصعوبة بالغة.

وفي المقابل، أرسلت الأحزاب يميناً ويساراً في انتخابات البرلمان الأوروبي أخيراً إشارات واضحة إلى أن انعكاسات تمويل حرب أوكرانيا على الميزانيات الوطنية باتت موضع انقسام سياسي ومجتمعي، وأن الاستياء لا يقتصر على «شريحة التطرّف» التي لا تميل إلى استعداء روسيا، بل يشمل شرائح كبيرة من «الوسطيين» الذين تتوزّع آراؤهم بين تقديرين: الأول، أن عدم حسم الحرب سريعاً لمصلحة أوكرانيا لا بدّ أن يقود إلى الشروع في البحث عن تسوية سلمية.

والثاني، أن اعتبار دعم أوكرانيا دفاعاً غير مباشر عن أمن أوروبا الغربية لا يبدو أنه أبعد مخاطر تفجّر الصراع على نطاق أوسع، وإذا نجح فعلاً فإنه يديم الحرب كما هو حاصل، ولا يعيد الاستقرار كما هو مؤمل.قبل قمة إيطاليا كانت دول حلف شمال الأطلسي قد ناقشت طويلاً إلغاء شرطها على أوكرانيا عدم استخدام الأسلحة بعيدة المدى التي زودتها بها لمهاجمة الأراضي الروسية، ولم يكن هناك توافق داخل «الناتو»، لكن واشنطن أذنت لكييف بضرب أهداف في روسيا قريبة من خاركيف، المهددة بالسقوط حالياً، للردّ على مصادر النيران التي «تضرب المدينة أو تستعد لضربها». وبطبيعة الحال اعتبرت موسكو ذلك تصعيداً أميركياً ضدّها.

وعلى هامش قمة إيطاليا وقّع الرئيسان الأميركي والأوكراني اتفاقاً أمنياً ثنائياً، وقال فولوديمير زيلينسكي إن الاتفاق «ينصّ على أن الولايات المتحدة تدعم انضمام أوكرانيا المستقبلي إلى حلف الأطلسي».

وكانت هذه النقطة المرفوضة روسياً منطلقاً لإشعال الحرب. وفي القمّة نفسها أعلنت الدول السبع أنها اتفقت على مساعدة جديدة لدعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، لكنها ستفعل ذلك باستخدام عوائد الأصول الروسية المجمّدة في الغرب.

شكّل هذا القرار استفزازاً جديداً لموسكو، فيما اعتبرته الدول السبع استكمالاً لسياق عقوبات بدأت بفرضها على روسيا كي تسحب قواتها من أوكرانيا، ولم يعد واضحاً الآن ما إذا كان انسحاب كهذا لا يزال قابلاً للتحقيق بعد ضمّ روسيا لمناطق واسعة من شرق أوكرانيا، أما الأكثر غموضاً فهو مصير الحرب نفسها. ستكون لقرار استخدام الأرصدة تداعيات قانونية بالغة التعقيد، فاتفاقات جنيف تنصّ على حماية ممتلكات الدول خلال النزاعات المسلّحة وتمنع التصرّف بها لمصلحة دولة أخرى. لكن المؤكد أنه قرار يزيد التوتّرات ويهدف عملياً إلى إدامة الحرب.

*كاتب ومحلل سياسي -لندن