برغبة طموحة وإمكانيات هائلة، تسعى مجموعة «بريكس» إلى القيام بدور مؤثر في الاقتصادي العالمي، مع امتلاكها جزءًا كبيراً من الاقتصاد والتعداد السكاني في العالم، ومواصلتها الدؤوبة تطوير التعاون بين الدول الأعضاء في الاقتصاد والتجارة، وتطلع المزيد من الدول لدخول المجموعة الدولية الوازنة على الساحة الدولية.

وفي هذا السياق، وضع وزراء خارجية دول مجموعة «بريكس»، في نيجني نوفغورود الروسية، على أجندتهم التعاون داخل المجموعة، ومجابهة الضغوط الغربية لدول الجنوب والشرق، خاصة مع الرغبة في الحفاظ على العولمة بمفهوم لا ينظر إلى دول الجنوب إلا كأسواق للسلع والمنتجات الغربية، ولهذا تتطلع «بريكس» إلى نظام تجاري يخفّض الحواجز التجارية، ويُصلح من منظمة التجارة العالمية، لجعلها أكثر مرونة وكفاءة، ونظام مالي أكثر عدالة تُمثَّل به الدولُ النامية في المؤسسات المالية الدولية، ونظام نقدي أكثر استقراراً يعتمد على سلّة من العملات، خاصة أن الاقتصاد العالمي يواجه تحديات مثل التضخم المتزايد، وحالة عدم اليقين الجيوسياسي، وتباطؤ النمو. ويحتاج الوضع إلى إصلاحات تجعله أكثر عدلاً واستدامة.

وتُمثّل المجموعة ثِقلاً دولياً، إذ تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير يمثل 40% من سكان العالم، ونحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، منها دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أبرزها الإمارات والسعودية ومصر وإيران، ودول تحاول الانضمام مثل تركيا والجزائر، بما يعبّر عن جاذبية التكتل العالمي، ومنذ دخول الدول الشرق أوسطية «بريكس» تَوفر أمامها رصيد كبير من الفرص في توسيع العلاقات مع دول المجموعة، خاصة الصين والهند.

ويمثّل بنك «التنمية الجديد» التابع لمجموعة «بريكس» طوق نجاة للعديد من الدول، ولاسيّما أنه يفتح المجال للتعاون أكثر داخل المجموعة، نظرًا إلى أن بعض دول التجمع أصحاب رؤوس أموال ضخمة، وأخرى بلدان نامية في احتياج إلى إقامة مشروعات تنموية تحسّن مستوى معيشة المواطن، وينقصها التمويل، وهنا قد يكون البنك الذي أُسّس، في 2015، ملاذاً للدول النامية دون ارتباطه بشروط غير تنموية، لتحقيق أهداف المجموعة من نمو اقتصادي مستدام بمكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية بالاستثمار في التكنولوجيا والابتكار والطاقة الخضراء والتعليم والرعاية الصحية، لمواجهة الأزمات العالمية والتأثيرات الخارجية على التنمية.

وينبع انضمام الإمارات إلى «بريكس»، والمشاركة في اجتماع وزراء خارجية المجموعة في روسيا، من استراتيجية دولة الإمارات القائمة على العمل الدولي المتعدد الأطراف، وبناء جسور التعاون الاقتصادي والارتقاء فوق الخلافات، للتغلّب على التحديات العالمية، وتحقيق الإصلاحات في منظومة العمل الدولي، وتحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً للجميع.

إن توسع التكتل خطوة لنظام عالمي يعتمد على المساواة والتنوع، تكون فيه دول الجنوب والشرق فاعلة في اتخاذ قرارات سياسية مهمة على الصعيد العالمي، والالتزام بالتعدّدية واحترام القانون الدولي، وإعادة الاعتبار لدور المنظمة الأممية في السلام الدولي، والإرتكان إلى الحلول السلمية للصراعات من خلال الدبلوماسية والحوار الشامل، مع مشاركة أكبر من الدول النامية في إصلاحات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من ناحية الحوكمة والتصويت، ليعكس الواقع المعاصر.

وتدفع مجموعة «بريكس» العالم نحو نظام متعدّد الأقطاب، ونجاحها سيعتمد على قدرتها في توفير أنظمة دولية للتجارة والنقد والتعاون الدولي، وتخطّي تحديات تواجه المجموعة من اختلاف الأعضاء في الرؤى السياسية والاقتصادية والجيوسياسية وتفاوت أداء وحجم اقتصادات أعضاء الكتلة، لتحقيق التقارب والتعاون في مجالات النمو الاقتصادي والأمن العالمي ومكافحة التغير المناخي والتنمية المستدامة، ما يعزز أهداف دول المجموعة، وإلى هذا الموعد، ينبغي على دول الشرق الأوسط المنضمّة حديثاً إلى «بريكس»، مطلع 2024، الاستفادة من التكتل تجارياً واقتصادياً، لأنه يوفر مناخ التعاون بلا قيد أو شرط.

*باحث رئيسي – مدير إدارة النشر العلمي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات