تبنّت دولة الإمارات منذ نشأتها مبادئ احترام حقوق الإنسان، ومنها حقوق العمال، انطلاقًا من قيمها وموروثها الاجتماعي والثقافي الأصيل، ودستورها ومنظومتها التشريعية، التي تنهض بحقوق العمال وحمايتها باعتبارها أولوية وطنية.

وفي هذا الإطار، فقد بدأ منذ يوم السبت الماضي 15 يونيو 2024، العمل بقرار حظر تأدية الأعمال في الأماكن المكشوفة وتحت أشعة الشمس، بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً والثالثة عصراً، وذلك حتى تاريخ 15 سبتمبر المقبل. وقد أصبح هذا النهج الذي يُطبَّق للعام العشرين على التوالي أحد المرتكزات الأساسية لتنظيم سوق العمل في الدولة؛ وهو يهدف إلى توفير بيئة عمل آمنة تستجيب لأفضل ممارسات واشتراطات الصحة والسلامة المهنية بما يجنب القوى العاملة الإصابات والأضرار التي قد تنتج جراء العمل في درجات حرارة مرتفعة خلال أشهر الصيف.

وقال محسن النسي، وكيل وزارة الموارد البشرية والتوطين المساعد لشؤون التفتيش «إن تطبيق حظر العمل وقت الظهيرة أصبح ثقافة راسخة لدى مجتمع الأعمال وشركات القطاع الخاص في الدولة»، مضيفًا أن «مستوى التزام الشركات بتطبيق الحظر على مدى السنوات الماضية يُعبِّر عن حجم الوعي والشراكة وعمق المسؤولية المجتمعية وامتثال شركات القطاع الخاص للتشريعات المتعلقة بحماية العمال وسلامتهم».

وتراعي أحكام القرار ضمان استمرار العمل بما يخدم أهداف المصلحة العامة، حيث تنص على استثناء بعض الأعمال التي يتحتم فيها العمل دون توقف لأسباب فنية أو للضرورة القصوى الاستثنائية في بعض القطاعات الحيوية. كما يتم إلزام الشركات بتوفير أماكن مظللة للعمال خلال أشهر الحظر تقيهم أشعة الشمس خلال فترة التوقف عن العمل، أو خلال ممارستهم للأعمال المرخصة، مع تأمين أدوات تبريد ومياه للشرب مناسبة لهم، وغيرها من وسائل الراحة، إلى جانب معدات الإسعاف الأولية في أماكن العمل. تجدر الإشارة إلى أن تطبيق هذا القرار بدأ عام 2005 بحظر العمل وقت الظهيرة لمدة شهرين، وتعكس زيادة وقت الحظر إلى ثلاثة أشهر التطوير المستمر لإجراءات حماية العمالة.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن دولة الإمارات قد انضمت وصادقت على العديد من الاتفاقيات الرئيسة في منظمة العمل الدولية، وأبرمت اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الدول التي ينتمي إليها العمال لضمان حصولهم على حقوقهم وتوفير بيئة العمل الأكثر ملاءمة لهم. وتراقب وزارة الموارد البشرية والتوطين مدى التزام الشركات بحظر العمل وقت الظهيرة من خلال الجولات التفتيشية، واستقبال بلاغات أفراد المجتمع حول أية ممارسات خاطئة أو تجاوزات، مع تطبيق غرامات ضد الشركات المخالفة.

وتُسجَّل سنوياً نسبُ التزام عالية بهذا القرار، تتجاوز 99% من جانب الشركات والمؤسسات العاملة بالدولة، ما يعكس شعوراً عاماً بالمسؤولية من جانب هذه الجهات، إلى جانب الحزم في اتخاذ الإجراءات ضد المخالفين. وتأتي مثل هذه الممارسة الفضلى، في سياق متصل مع العديد من القرارات والقوانين التي أقرتها دولة الإمارات، وهي تتسم بالمرونة والحداثة وتوفير سبل الحماية والرعاية للعمال، مثل ضمان المساكن الآمنة والكريمة، واعتماد أنظمة حماية الأجور، وقوانين الإجازات، وأنظمة تأمين السلامة المهنية، وتوفير البرامج التوجيهية والتوعوية شاملة، وغيرها من المبادرات.

وشملت جهود الدولة في هذا الصدد عمال خدمات توصيل الطلبات في مختلف مناطقها، حيث تعاونت وزارة الموارد البشرية والتوطين، مع جهات حكومية وخاصة، بهذا الشأن، وأعلنت زيادة المواقع المخصصة لاستراحة هؤلاء العمال من 356 محطة عام 2023 إلى 6000 محطة عام 2024، وإتاحة خريطة تفاعلية بهذه الاستراحات لتمكين العمال من الوصول إليها بكل سهولة، خلال فترة حظر المحددة. إن تطبيق حظر العمل وقت الظهيرة يعكس مدى اهتمام دولة الإمارات بتوفير أفضل الظروف للمحافظة على سلامة العمال وحمايتهم من أي تأثيرات سلبية، ويقدم مثالاً عملياً على تطور منظومة التشريعات والقوانين التي تضمن سلامة العمال وصحتهم في دولة الإمارات، وترسخ تطبيقها، حتى أصبحت ثقافة مجتمعية ملموسة. 

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.