تتغير المحيطات مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وهو تحوّل يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على كل شخص على وجه الأرض، لكن قصة هذا الجزء من سطح الكوكب هي أيضاً قصة أمل وإمكانات، خاصة عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، وفقاً للعلماء والمدافعين عن البيئة.
هذه الرسائل المزدوجة كانت محور اليوم العالمي للمحيطات لهذا العام، والذي يحتفي به العالم يوم 8 يونيو من كل عام. وقد تطور هذا اليوم الذي اقترحته الحكومة الكندية لأول مرة عام 1992، إلى جهد عالمي لجعل البشر الذين يركزون على الأرض عند الاهتمام بالمناخ، يركزون أيضاً على إيلاء المزيد من الاهتمام للمياه التي تغطي 70% من كوكبنا. موضوع هذا العام هو «تحفيز العمل من أجل محيطنا ومناخنا» - وهو جهد للربط بوضوح بين قضايا صحة المحيطات وتغير المناخ.
يقول «توم بيكريل»، عالم البحار والمدير العالمي لبرنامج المحيطات في معهد الموارد العالمية: «يرى معظم الناس المحيط على أنه ذلك المكان الرطب الذي يذهبون إليه على متن قارب، لكنه مفتاح بقائنا».
لم يستكشف البشر سوى جزء صغير من المحيط. من المقولات الشائعة بين علماء البحار أننا نعرف عن القمر أكثر مما نعرفه عن نظامنا البيئي المائي، لكننا نعرف بعض الحقائق الأساسية: إن المحيط عنصر أساسي في النظام المناخي للأرض. وهو يتغير مع تغيير البشر للغلاف الجوي.
المحيطات هي التي تنظم درجة حرارة الكوكب. فهي لا تمتص معظم الحرارة التي تأتي إلى غلافنا الجوي من الشمس فحسب، بل تقوم أيضاً بتوزيع هذا الدفء حول العالم من خلال نظام من التيارات الشبيهة بالحزام الناقل. وهذا يحافظ على المناطق الاستوائية من العالم، التي تحصل على كمية غير متناسبة من الإشعاع الشمسي، من أن تكون ساخنة بشكل لا يطاق، والمناطق في أقصى الشمال والجنوب من أن تكون باردة بشكل لا يطاق. (المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تتمتع بدرجة حرارة معتدلة على الرغم من خط العرض المرتفع الذي تتمتع به، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تيار الخليج).
تقول «ليزا سواتوني»، نائبة مدير أقسام المحيطات في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: «إن الحياة على الأرض موجودة بسبب المحيطات. فهي التي تعدل مناخنا بحيث تصبح كل نقطة على الأرض صالحة للسكن».
يأتي حوالي نصف الأكسجين في العالم من المحيطات (ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى العوالق النباتية التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي).
علاوة على ذلك، فإن حوالي سدس البروتين الحيواني الذي يستهلكه البشر يأتي من حيوانات المحيط. وقد يبدو هذا واضحاً، لكن المحيطات تمنحنا الماء. تأتي كل أمطار العالم تقريباً من تبخر مياه المحيطات. وتحمل الرياح التجارية تلك الرطوبة الجوية حول العالم، حيث تشكل عواصف مطيرة، وتسقط على الأرض، وتدعم الأنظمة الهيدرولوجية التي تدعمنا بدورها.
يتم التحكم في هذا النظام المعقد المتماوج من خلال عدد كبير من العوامل المختلفة: الرياح، والملوحة، ودوران الأرض، وجاذبية القمر - وبطبيعة الحال، درجة الحرارة.
هناك الكثير الذي يقال عن كيفية ارتفاع درجة حرارة الأرض، وكيف يؤدي ذلك إلى موجات حارة مثل تلك التي أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة في الهند وباكستان الأسبوع قبل الماضي إلى أكثر من 120 درجة فهرنهايت. لكن المحيط يمتص في الواقع معظم الحرارة الزائدة الناجمة عن النشاط البشري، بنسبة تصل إلى 90%، كما يقول الدكتور بيكريل. ويضيف: «لولا هذا العازل، لكنا في مكان أكثر سخونة».
كان العام الماضي هو العام الأكثر دفئاً للمحيطات في التاريخ المسجل، وفقاً لوكالة ناسا. وكانت السنوات العشر الماضية هي العقد الأكثر دفئاً منذ القرن 19 على الأقل. هذه الحرارة لها تأثير. على مستوى الفيزياء الأساسية، تتمدد المياه الدافئة أكثر من المياه الباردة، وهو ما يعني في المحيطات ارتفاع مستوى سطح البحر. كما أن الماء الدافئ يذيب الجليد. فكر فيما يحدث لمكعبات الثلج الموجودة في كوب من الماء الفاتر الذي تركته بالخارج في الصيف. وعلى الرغم من أن الأمر أكثر تعقيداً، إلا أن هذا ما يحدث للجليد البحري عند القطبين بمستوى ما.
ويعني ذوبان الجليد المزيد من الارتفاع في مستوى سطح البحر للمجتمعات الجزرية والساحلية، لكن الماء الدافئ والجليد الذائب يؤثران أيضاً على تلك التيارات الدقيقة التي توزع الحرارة حول العالم.
في حين أن العلماء لديهم وجهات نظر متضاربة حول مدى سرعة، وحتى ما إذا كانت، تيارات مثل «تيار لابرادور» البارد أو انجراف شمال الأطلسي الدافئ ستنهار، فإن خطر حدوث ذلك مرتفع بما يكفي لإثارة قلق العديد من الباحثين. (في بعض السيناريوهات، توقع الباحثون حدوث عواصف شديدة وطقس شديد البرودة في المملكة المتحدة لمرافقة ضعف تيار الخليج).
ليس البشر فقط هم الذين يتأثرون. وتشهد الأنواع البحرية هجرة سريعة بالفعل بسبب تغير درجات حرارة المحيطات.
يقول الدكتور سواتوني: «إننا نشهد تغيرات سريعة حقاً في النظم البيئية البحرية بسبب تلك الحرارة.«الحيوانات البحرية من ذوات الدم البارد. وهي تستجيب بسرعة أكبر من الحيوانات الأخرى. فالأسماك تتسابق نحو القطبين».
يقدر العلماء أن المحيطات امتصت حوالي 30% من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من البشر. وهذا له تأثير كيميائي في الماء، ما يجعل المحيطات أكثر حمضية. زيادة الحموضة لها تأثير كبير على الحياة البحرية، وخاصة في الجزء السفلي من السلسلة الغذائية.
ولكن حتى في الوقت الذي تتحمل فيه المحيطات وطأة تغير المناخ، فإنها تقدم أيضاً بعضاً من أكثر الحلول تفاؤلاً في العالم، بحسب الدكتور بيكريل.
أفاد تقرير صادر عن مجموعة «أوشن بانيل» The Ocean Panel، وهي مجموعة دولية من قادة العالم تركز على صحة المحيطات، بأن العالم يمكن أن يخفض صافي انبعاثاته بشكل كبير من خلال استخدام التكنولوجيا القائمة على المحيطات المتوفرة لديه بالفعل. ويشمل ذلك استعادة ودعم النظم البيئية للمحيطات، مثل أشجار المانجروف، التي تمتص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
يقول الدتكتور بيكريل:«إذا قمنا فقط بحفظ واستعادة النظم الإيكولوجية المتدهورة للكربون الأزرق ــ أشجار المانجروف، والأعشاب البحرية، والمروج البحرية، وما إلى ذلك، فسنتمكن من خفض الانبعاثات بمقدار 2.8 جيجا طن من الكربون. ويشبه ذلك إيقاف 76 محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم كل عام».
ويمكن أن تشمل الحلول المناخية المعتمدة على المحيطات أيضاً إزالة الكربون من النقل عبر المحيطات، وإدارة مصايد الأسماك بشكل أفضل، والقضاء على هدر الطعام. ويتطلع الباحثون أيضاً إلى حلول أخرى عالية التقنية. اختبر العلماء ورجال الأعمال أساليب احتجاز الكربون التي تتراوح بين دفن الأعشاب البحرية إلى«تخزين» ثاني أكسيد الكربون في المحيطات.
ويقول بعض الباحثين، إن مزارع الرياح البحرية يمكن أن تساعد في توفير الطاقة النظيفة.
تتزايد الجهود لتطوير المناطق البحرية المحمية في المياه الوطنية والدولية.
يقول الدكتور سواتوني:«من الواضح أن تغير المناخ سيغير أنظمتنا البيئية البحرية بشكل عميق. لكننا نود أن نمنحهم الفرصة للتكيف مع هذه التغييرات»،
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»