طه حسيب (أبوظبي) في 8 يونيو من كل عام، يذكرنا اليوم العالمي للمحيطات بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية، الممتدة على 70% من مساحة كوكبنا. الاحتفاء العالمي بالمحيطات، فكرة طرحتها الحكومة الكندية، خلال«قمة الأرض» بمدينة «ريو دي جانيرو» البرازيلية عام 1992، وبدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ عام 2002، وبعد 8 سنوات، وتحديداً في عام 2008 أقرّته الأمم المتحدة رسمياً. ويأتي شعار اليوم العالمي للمحيطات هذه المرة بعنوان: «تحفيز العمل من أجل محيطنا ومناخنا». فثمة علاقة وطيدة بين الحفاظ على الموائل البحرية في المحيطات، وجهود مكافحة التغير المناخي. وبات واضحاً أنه من غير الممكن مواجهة التغير المناخي، على الصعيد العالمي من دون المحيطات. وهذا الارتباط يستند إلى معطيات مهمة، من بينها أن المحيطات تمتص 90% من الحرارة الزائدة التي يتسبب فيها الإنسان، و30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن أنشطة بشرية.

 ناتالي مارسيال: معهد المحيطات في «سوربون أبوظبي» يرسخ التزامنا البحثي بحماية الأنظمة البيئية البحرية

دانيال ماتيوس: الموائل البحرية في الإمارات تعزز جهود التخفيف من آثار التغير المناخي

المحيطات بما تكتنز به من أعشاب مرجانية وطحالب تساهم في إنتاج 50% من الأكسجين على كوكب الأرض. وتؤدي غابات المانجروف النامية بمياه البحار والمحيطات دوراً كبيراً في حجز الكربون، كونها تعزل كميات منه تفوق ما تحتجزه الغابات الأرضية بعشرة أضعاف. أهمية اقتصادية كبرى تكتنزها المحيطات، ذلك لأن ما يرتبط بها من أنشطة تجارية وخطوط نقل وصيد، أو ما يعرف بـ«الاقتصاد الأزرق»، تعمل على تخليق 30 مليون فرصة عمل. الاقتصاد الأزرق يضمن الاستخدام المستدام للموارد البحرية بطريقة تحقق النمو الاقتصادي، وتضمن سبل العيش للمجتمعات، وتخلق الوظائف، وفي الوقت نفسه تحافظ على النظم البيئية البحرية، وتضمن سلامتها.

3 تريليونات دولار  سنوياً

ويشير البنك الدولي إلى أن حجم مساهمات المحيطات في الاقتصاد العالمي تبلغ 1.5 تريليون دولار سنوياً، ومن المتوقع أت تزداد هذه المساهمة إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030. كما أن 90% من البضائع الدولية يتم نقلها عن طريق البحر، وعادة ما يستخدم الوقود الأحفوري في تسيير عمليات الشحن البحري، ما يستوجب الحد من انبعاثات هذا القطاع في ظل توقعات بزيادة هذه العمليات بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050. ولدى البنك الدولي مبادرة «برو بلو»، وهي صندوق إنماني متعدد المانحين، مقره في البنك الدولي، ويدعم تنمية الموارد البحرية والساحلية المتكاملة والمستدامة والصحية، وذلك من أجل تفعيل هدف التنمية المستدامة رقم 14، وهو (الحفاظ على الحياة تحت سطح الماء). وتركز مبادرة «برو بلو» على أربعة مجالات رئيسة: الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، معالجة التهديدات التي يشكلها التلوث البحري على صحة المحيطات، بما في ذلك القمامة والمواد البلاستيكية، من المصادر البحرية أو البرية، والتنمية المستدامة للقطاعات المحيطية الرئيسة، مثل السياحة والنقل البحري والطاقة المتجددة البحرية، وبناء القدرات الحكومية لإدارة الموارد البحرية، بما في ذلك البنية التحتية القائمة على الطبيعة مثل أشجار المانغروف، بطريقة متكاملة لتحقيق فوائد أكثر، وطويلة الأمد للبلدان والمجتمعات. وعلى صعيد الأمن الغذائي، فإن المحيطات مصدر أساسي لإمداد ثلاثة مليارات نسمة بالبروتين، وأكبر مستودع للكربون على كوكب الأرض، لكن تداعيات التغير المناخي، ومن بينها ارتفاع منسوب مياه البحر، تعرض للخطر مليار إنسان، كما أن الاحترار يطال المحيطات، حيث إن حرارتها تضاعفت منذ عام 1993، المحيطات تعاني من: الصيد الجائر، وفقدان التنوع البيولوجي، وأزمة المناخ وتلوث المياه، خاصة بالنفايات البلاستيكية.

توازن جديد مع المحيطات

وعلى الصعيد العالمي، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه مع استنفاد 90% من التجمعات السمكية الكبيرة، وتدمير 50% من الشعاب المرجانية، فإننا نستهلك من المحيطات أكثر مما يمكن تجديده في بيئاتها الحيوية، ما يدعو إلى حشد التعاون الدولي لخلق توازن جديد مع المحيطات، بحيث لا يتم استنزاف خيراتها، بل العمل على تجديد حيويتها. وفي مايو 2023 وبعد 20 عاماً، اتفقت أكثر من 190 دولة على معاهدة لحماية المحيطات، وتلك خطوة كبرى لحماية التنوع البيولوجي بمحيطات العالم، خاصة في المياه الواقعة خارج الحدود الوطنية، المعاهدة خطوة غير مسبوقة لإنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار، وتبنت الأمم المتحدة المعاهدة في يونيو 2023، من أجل حماية 30% من بحار الكوكب بحلول عام 2030، وتنفيذ ما أعلنت عنه قمة الأمم المتحدة التنوع البيولوجي أواخر عام 2022. أعالي البحار تُشكل ثلثي سطح محيطات الكوكب، لكن 1.2% فقط منها محمية، ما يترك مساحات كبيرة من مياه المحيطات معرضة للخطر بسبب ارتفاع درجات الحرارة والصيد الجائر والتلوث والتعدين.

كنوز ثقافية

ولا تقتصر أهمية المحيطات على البعد الاقتصادي والبيئي، بل تتضمن بعداً ثقافياً، حيث تعد المحيطات متاحف تحت الماء، ثرية بآثار حضارات سابقة عرفتها البشرية منذ آلاف السينين، ومن أجل حماية هذا التراث وفهمه والتعريف به بشكل أفضل، قامت اليونسكو بتطوير وتنفيذ اتفاقية عام 2001 بشأن «حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه». وتقود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» جهوداً لتنفيذ «عِقد الأمم المتحدة لعلوم المحيطات من أجل التنمية المستدامة» (2021-2030)، وهو فرصة لتطوير المعرفة العلمية والشراكات اللازمة لتسريع وتسخير التقدم في علوم المحيطات، لتحقيق فهم أفضل لها للمحيطات. وتنظم «لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات» أول مؤتمر عالمي للدراية بأمور المحيطات في الفترة الممتدة من 7 إلى 8 يونيو الجاري في مدينة البندقية بإيطاليا، وذلك بالتعاون مع كل من حكومة إيطاليا، وبلدية مدينة البندقية، ومجموعة «برادا»، ويجمع هذا المؤتمر كوكبة من الخبراء الدوليين المعنيين بالدراية والتوعية بأمور المحيطات في قطاعات مختلفة. وحسب «اليونسكو»، لم يستكشف العالم سوى 10% فقط من مياه المحيطات مترامية الأطراف، ما يعني أننا «بحاجة إلى الولوج لأعماق جديدة إن أردنا حشد زخم عالمي واسع النطاق من أجل المحيطات».

  • البروفيسورة ناتالي مارسيال، مديرة جامعة السوربون أبوظبي

معهد المحيطات في سوربون أبوظبي
وقالت البروفيسورة ناتالي مارسيال، مديرة جامعة السوربون أبوظبي: «اليوم، ونحن نحتفي باليوم العالمي للمحيطات، يسعدني أن أؤكد أهمية مؤتمر المحيطات الذي عقد مؤخراً تحت عنوان«نحو مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات 2025، المحيطات: العلوم والسياسات والاقتصاد الأزرق، طموح مشترك لدولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وكوستاريكا»، والذي يمثل علامة فارقة في جهودنا الرامية للحفاظ على محيطات كوكبنا. إن إنشاء معهد جامعة السوربون أبوظبي للمحيطات الجديد في أبوظبي هو بمثابة مركز أبحاث متعدد التخصصات، مما يرسخ التزامنا بتطوير المعرفة العلمية وحماية الأنظمة البيئية البحرية». وتابعت البروفيسورة مارسيال قائلة: «بينما نمضي قدماً، يفخر معهد المحيطات التابع لنا بقيادة عملية تشكيل الحوار العالمي حول الحفاظ على المحيطات واستدامتها. وتحدد خطتنا التطويرية للسنوات القادمة مبادراتنا الاستراتيجية للنهوض بالبحث والتعليم والتوعية في هذا المجال المهم. من خلال البحث العلمي، وإشراك المجتمع المحلي، نحن ملتزمون بإحداث تأثير إيجابي على محيطات العالم، وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة».

  • دانيال ماتيوس مدير قسم الحفاظ على الحياة البحرية بـ«جمعية الإمارات للطبيعة»
  •  

البيئة البحرية..الأكثر تنوعاً في الإمارات
وأكد د. دانيال ماتيوس، الخبير ومدير قسم الحفاظ على الحياة البحرية بـ«جمعية الإمارات للطبيعة»، أن كل فرد منا على وجه الأرض يعتمد على المحيط – سواء كان ذلك من أجل الحصول على الغذاء، أو سبل العيش والوظائف، أو الحصول على الطاقة، أو وسيلة للترفيه، أو ببساطة لجعل المناخ مناسباً للحياة. وأضاف «ماتيوس» في تصريح خاص لـ«الاتحاد» أن الإمارات العربية المتحدة لديها بيئات بحرية ساحلية هي رأسمال طبيعي يعد الأكبر والأكثر تنوعاً في الدولة. وهي تدعم نمو الأنشطة الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك إنشاء الموانئ والشحن وتحلية مياه البحر ومجال العقارات الساحلية والسياحة والترفيه، ومصايد الأسماك والأغذية البحرية.ولفت «ماتيوس» الانتباه إلى أن الأخوار الساحلية في الدولة تحتضن موائل مهمة - مثل أشجار القرم (المانغروف) والأعشاب البحرية والسبخات - التي تدعم حياة العديد من أنواع الكائنات الحية المهددة على المستوى المحلي والعالمي، من الثدييات البحرية وأسماك القرش والشفنينيات (نوع من الأسماك الغضروفية تنمو في المناطق المدارية وشبه المدارية) والأسماك العظمية والطيور والسلاحف البحرية. تعمل الموائل البحرية أيضاً على تعزيز جهود التخفيف من آثار المناخ، وتوفير الحماية الحيوية ضد تآكل السواحل وضد الفيضانات. تتبنى جمعية الإمارات للطبيعة نهجاً شاملاً في تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة لحماية واستعادة وإدارة هذه النظم البيئية المتكاملة بشكل مستدام، مع التركيز على جذب التمويل المختلط نحو حماية النظام البيئي، والسياحة البيئية، والأمن الغذائي، وغيرها.