ينتظر العالم باهتمام كبير يوم الخامس من نوفمبر المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تعكس مساراً حاسماً للمستقبل السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، وتأثيره على مسيرة الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق يأتي تأثير الملفات الاقتصادية في صدارة الاهتمام، على ضوء مؤشرات التضخم وأسعار الفائدة والبطالة والنمو وتفاقم الدين العام. وهي من أهم العوامل التي ينظر إليها الناخبون الذين يربطون أداء الاقتصاد بسياسات الحكومة، وبقدرتها على توفير الرخاء والاستقرار الاقتصادي. لقد شهدت الولاياتُ المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن الذي بدأ في يناير2021، سلسلةَ تحدياتٍ وضغوطات كبيرة. وتمثل التحدي الأكبر في تداعيات التضخم الذي سجل رقماً قياسياً بلغ 9.1 في المئة في يونيو 2022، مما اضطر مجلس الاحتياطي الفيديرالي لرفع أسعار الفائدة تدريجياً حتى وصلت إلى 5.5 في المئة، وأسهم ذلك في خفض معدل التضخم إلى 3.4 في المئة خلال 12 شهراً المنتهية في أبريل الماضي، وفق تقرير مؤشر أسعار المستهلك. لكن يبدو أن الأميركيين غير متأكدين من أن مسار الانخفاض سيستمر للوصول إلى المعدل المستهدف، وهو 2 في المئة، خصوصاً بعدما ارتفعت نسبة المستهلكين الذين يتوقعون ارتفاع أسعار الفائدة في العام المقبل إلى 56.2 في المئة. ومن الطبيعي أن يسهم التضخم في زيادة الإنفاق الحكومي، وفي ارتفاع أسعار الفائدة، مع زيادة خطورة الدين العام الذي سجل مستوياتٍ قياسيةً غير مسبوقة، حتى أصبح «قنبلة موقوتة» تهدد ليس فقط اقتصاد أميركا، بل اقتصاد العالم ككل، وقد بلغ نحو 34.63 تريليون دولار بنهاية مارس الماضي.

وإذا استمر الدَّين الأميركي بهذه الوتيرة، فإنه يتوقع أن يتجاوز 36 تريليون دولار بنهاية ولاية بايدن في يناير 2025. وإذا كان المستثمرون في الماضي ينظرون إلى الدولار والذهب على أنهما «أفضل الملاذات الآمنة»، فإنهم ينظرون اليوم للذهب على أنه «الأكثر أماناً»، علماً بأن الدولار محمي بأكبر كتلة «ذهبية» تملكها الولايات المتحدة التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً باحتياطي يبلغ 8133 طناً، وهو ما يمثل 78.7 في المئة من احتياطي العملات الأجنبية. وتليها ألمانيا في المرتبة الثانية، لكن بفارق كبير حيث يبلغ احتياطيها الذهبي 3362 طناً. ولعل من أهم ميزات ارتباط قيمة الذهب مباشرة بالدولار كونه وسيلة لضمان استقرار العملات في إطار«المعيار الذهبي» الذي حددته اتفاقية «بريتون وودز» عام 1944، وينظر إليه كوسيلة لمنع التضخم.

ولوحظ أن الولايات المتحدة تخلت عن هذا «المعيار» عام1971، بإلغاء الرئيس ريتشارد نيكسون التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب، لكنها لم تتخلَّ عن امتلاك الذهب وتخزينه، للحفاظ على قيمة الدولار. ففي عام 1950 ضاعفت احتياطها أربع مرات خلال ثماني سنوات، حتى أصبحت تسيطر على أكثر من 70 في المئة من ذهب العالم، حرصاً منها على تجنب أي قلق بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها بسعر صرف الذهب مقابل الدولار. وفي ظل التطورات الأخيرة وما رافقها من حروب ونزاعات وتوترات جيوسياسية، تضاعف الاهتمام بالذهب كأفضل «ملاذ آمن» واشتد الطلب عليه من البنوك المركزية في العالم، وسجلت أسعاره مستويات عالية غير مسبوقة، بلغت نحو 2450 دولاراً للأونصة في 20 مايو الماضي، ثم استقرت عند 2323.87 دولار. وتتوقع تقارير مصرفية أن تعود إلى الارتفاع لتصل إلى 2600 دولار بنهاية العام الحالي. وفي حال تحقق ذلك يلاحظ أن سعر الذهب قد لا يصل إلى مستواه التاريخي، حيث سجل في يناير1980 الرقم 850 دولاراً للأونصة، وهو رقم لو تم تحويله إلى دولارات اليوم لبلغ نحو 3000 دولار.. مما يدل على خطورة «تآكل» قيمة الدولار الفعلية نتيجة تطور ارتفاع معدلات التضخم.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية