ليلة 26 إلى 27 مايو في رفح (غزة)، في مخيم للاجئين لم تطلب إسرائيل إخلاءه من سكانه، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية خلّفت أكثر من 40 قتيلاً و65 جريحاً. والجدير بالذكر هنا أن أكثر من 800 ألف فلسطيني كانوا قد لجأوا إلى رفح ثم أُجبروا على مغادرة المدينة هرباً من الغارات. والواقع أن كل من شاهد صور تلك الغارات وعواقبها يعرفون مدى قسوتها وفظاعتها. وإذا كانت صورها قد بثّت على شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها لم تُعرض عموماً في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، سواء على شاشات التلفاز أو في الصحف. 
الجيش الإسرائيلي قال إنه استخدم أسلحة دقيقة جداً استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة جداً من أجل القضاء على اثنين من قادة «حماس» ضالعين في الإرهاب وبالتالي يستحقان مصيرهما. غير أنه إذا كانت الأسلحة بهذه الدقة، فلماذا حصدت كل هذا العدد من الضحايا الأبرياء؟ وإذا كانت المعلومات الاستخباراتية بهذه الدقة، فلماذا لا تتم ملاحقة قادة «حماس» بشكل مباشر؟ الضحايا المدنيون الذين سقطوا في هذه الضربة، والذين يطلق عليهم بكثير من الاحتشام أو بالأحرى بكثير من الوقاحة الأضرار الجانبية، قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي الذي ادّعى في البداية أن الغارة لم تخلّف سوى بضعة جرحى وأنه يعتزم فتح تحقيق. 
ولكن الأرجح أن هذا التحقيق لن يفضي إلى نتائج ذات بال. وفي الأثناء، تؤكد الصور المتوفرة وشهادات الأشخاص والمنظمات غير الحكومية التي تشتغل في الميدان وقوع مجزرة حقيقية. إذ ما هو المصطلح الآخر الذي يمكننا استخدامه لوصف هذه الضربة، ولكن أيضاً لوصف عدد الأطفال والضحايا المدنيين الذين سقطوا ويسقطون في هذا الصراع بشكل عام؟ فحتى الآن، تجاوز عدد الضحايا المدنيين في غزة 37 ألفاً، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لـ«حماس»، وهي أرقام أكدتها الأجهزة الأميركية. بل هناك خوف من أن يكون العدد أعلى من ذلك، وخاصة بالنظر إلى العراقيل التي تحول دون وصول الإمدادات الإنسانية.
وعلاوة على ذلك، لم يعد هناك أي نظام صحي، ولذلك، فإن الكثير من الجرحى سيموتون بسبب غياب الرعاية الطبية وبسبب المجاعة التي تلوح في الأفق.
في اليوم السابق في مدينة خاركيف في أوكرانيا، تعرض مركز تجاري لغارة جوية، ونتيجة لذلك، لقي 16 مدنياً كانوا في متجر للأعمال اليدوية مصرعهم في هذه الغارة التي خلّفت أيضاً العديد من الجرحى. هنا مرة أخرى، رأى الجيش الروسي أنه لم يستهدف مركز تسوق وإنما استهدف مستودع ذخيرة أوكرانياً. ولكن الثابت والأكيد أنه حينما يسقط مدنيون ضحايا ضربات عسكرية، فإن ذلك يعتبر جرائم حرب في نظر القانون الدولي الإنساني.
هذه الجرائم تتراكم. ومع ذلك، يندّد بعض المعلّقين والخبراء والمسؤولين والسياسيين بما يحدث على الساحة الأوكرانية، ويلتزمون الصمت حيال الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. هذا في حين يفعل آخرون العكس. والحال أن جريمة حرب تظل جريمة حرب، وهي غير مقبولة ولا يمكن الدفاع عنها أياً كان مرتكبها. 
ولهذا، ينبغي عدم تجاهل أي من هذه الجرائم أو المرور عليه مرور الكرام، بل يجب إدانتها جميعاً بشكل واضح وقوي، إذ لا يمكننا أن نحزن على ضحايا خاركيف بدون أن نحزن على ضحايا رفح، ويجب أن نفعل بسرعة كل ما هو ممكن، في الحالتين، من أجل وضع حد للمخاطر التي يتعرض لها المدنيون. وهنا تُطرح مشكلة المصداقية بالنسبة للدبلوماسيين الغربيين، الذين أدانوا الضربات الروسية على المدنيين الأوكرانيين بشدة ولم يستنكروا القصف الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين في البداية. صحيح أنهم أدانوه لاحقاً، ولكن بدون أن يعني ذلك معاقبة لإسرائيل بأي شكل من الأشكال. موقفٌ اعتبرته العديدُ من دول الجنوب نفاقاً ويساهم في توسيع الهوة بين الغرب وبقية بلدان العالم.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس