المنتدى العربي الصيني العاشر انعقد هذه السنة في بكين وشكّل متابعة مطوّرة لعلاقات لا تنفكّ تتعمّق بين الصين والدول العربية، لا سيما الدول الأساسية التي أصبحت صاحبة الشأن والقرار في الإقليم. ويؤكّد هذا المسار الذي بدأ قبل عشرين عاماً ثباتاً واستمرارية، بإرادة طرفيه، فلم تشبْه أي إشكالية يمكن أن تعرقله، بل اكتسب مع الوقت مرونةً في مقاربة التحديات وتفهّماً متبادلاً لضرورة تأسيس العلاقات وبنائها بمفهوم مستقبلي بعيد المدى. فالصين الصاعدة بخطى واثقة وسريعة على المستوى الدولي صنعت لنفسها مكانةً بارزةً، إن لم تكن الأبرز بين الأقطاب، لا تنسى أن انفتاحها على الخارج لا يزال حديث العهد نسبياً، ولذا فهي لا تبدي تعجّلاً في الحصول على نفوذ ومكاسب، وإنما تركّز على رؤية نتائج صلبة يمكن البناء عليها، كما يُظهر أداؤها المتأني في مشروع «الحزام والطريق».

والمهمّ أنها لا تستخدم الضغوط والاشتراطات لكسر العقبات الأميركية والغربية، بل تقدم مبادرات غالباً ما تكون تنموية، وتراهن على مفاعيلها الإيجابية في إطار ممارسة الدول سيادتها كاملةً. وفي المقابل، وجد الجانب العربي في التوجهات الصينية، بعدما راقبها وخبِرها، خياراتٍ تفتح أمامه سبلاً لتحقيق مصالح لم يستطع التوصّلَ إليها في شبكة العلاقات التي أتيحت سابقاً ولم تستهدف دائماً تعزيزَ الأمن والاستقرار الذاتيين لكلٍ من دوله، ومن دون شروط سياسية يَصعب أحياناً التعامل معها من دون تداعيات سلبية، داخلية أو إقليمية. وبعدما مرّت المنطقة العربية طوال العقود الأخيرة بحروب عديدة، أهلية أو إقليمية، أنهكت اقتصادات العديد من دولها، أصبحت تتطلّع الآن إلى نهاية لهذه السلسلة المترابطة والناجمة عن صراعات نفوذ، بل الأهم أنها تحاول الخروج من هذه التجربة بمفاهيم جديدة ومختلفة عما عرفته في السابق.

وفي هذا السياق يبدو إعلان الرئيس شي جين بينغ أن الصين ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية لتكون «نموذجاً للسلام والاستقرار العالميين» مطابقاً للطموحات العربية، خصوصاً أنه تضمّن أيضاً دعوةً إلى عمل مشترك «لحلّ القضايا المتعلّقة بالبؤر الساخنة، وبطرق تفضي إلى دعم مبادئ الإنصاف والعدل وتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل». تلك مبادئ وقيمٌ أكّدت شهور الحرب على غزّة جسامةَ الأضرار التي تعرّضت لها وجعلتها غير قابلة للتدارك أو الإصلاح، بسبب ما شابها من نيات إبادة جماعية. ورغم أن التعاون الاقتصادي أبرز أهداف المنتدى العربي الصيني، ألا أنه كان لحرب غزّة حضور طاغٍ فيه، ليس فقط لأنها حديث الساعة، بل لأن الجانبين طالبَا بإنهائها والانطلاق منها إلى صنع السلام، طالما أن الأجندة القديمة المتجدّدة موجودة على الطاولة منذ عقود، وفيها توافق دولي واسع على «حلّ الدولتين»، باستثناء الدول التي لا ترى مصلحة لها في إنهاء الحرب، وبالتالي في إنهاء الصراع. ولا ترجمة ممكنة لهذا الحلّ إلا بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل و«أن تعيشا بسلام».

قال الرئيس الصيني إن «الحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، ولا يمكن للعدالة أن تظل غائبة إلى الأبد، ولا يمكن الإطاحة بحل الدولتين بشكل تعسفي». وقال المراقبون إن بكين أبدت لتوّها نيّتها بأن يكون لها في الشرق الأوسط دورٌ فاعل ومنسجم مع التوجّهات التي دافعت عنها دائماً. فهي تطالب منذ زمن بمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط ولا تسعى إلى تأجيج الصراعات لتحقيق مكاسب، لأن المكاسب ستأتيها باستتباب السلام وليس ببقائه فكرةً مثاليةً هائمةً يستحيل تحقيقها على أرض الواقع.

*كاتب ومحلل سياسي - لندن