تتغير خارطة التعاون الاقتصادي والجيوسياسي الدولي بسرعة كبيرة تحاول معها مختلف الدول تعزيز مصالحها الوطنية وتقوية مراكزها ضمن الاصطفاف الجديد للقوى الفاعلة، وبالأخص بعد أن برزت في العقدين الماضيين اقتصادات ناشئة ازدادت تأثيراً وقوةً وتنوعت علاقاتها الدولية وفقاً لمصالحها الوطنية.
وفي هذا الصدد يلاحظ النمو السريع لعلاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع البلدان الآسيوية على كافة المستويات، حيث تأتي الزيارة الحالية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لكل من جمهورية كوريا وجمهورية الصين الشعبية كي تضيف لبِنةً جديدة لصرح العلاقات الخليجية الآسيوية المتنامية.
وتحتل كل من الصين وكوريا، بالإضافة إلى الهند، مكانةً متقدمة في العلاقات الاقتصادية لدولة الإمارات، إذ أصبحت تحتل المراكز الأولى في التبادل التجاري للدولة، وذلك بالإضافة إلى تنامي الاستثمارات المشتركة والتعاون في العديد من المجالات، كالطاقة النووية والتكنولوجيا المتطورة.
ونظراً لهذه الأهمية يتوقع أن تتمخض الزيارة الحالية عن نتائج مهمة للغاية ستضيف الكثيرَ للتعاون الثنائي كي تنقله إلى مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي الشامل، كما يتضح من المواضيع التي طرحت أثناء الاجتماعات الوزارية والفنية المشتركة.
وبالإضافة إلى التوقعات حول تعزيز التبادل التجاري، حيث تُعد جمهورية كوريا أحد أهم الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما خلال عام 2022 نحو 19.5 مليار درهم (5.3 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 14% مقارنةً بعام 2021. علماً بأن جمهورية كوريا تعتبر أحد أهم شركاء الإمارات في مجال التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة.
أما الصين فهي الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد، حيث بلغ حجم التبادل بين البلدين 284 مليار درهم (77.3 مليار دولار) في عام 2023، بنمو نسبته 27% مقارنةً بعام 2022، وبنمو نسبته 80% على مدى السنوات الخمس الأخيرة. كما تعد الصين ثاني أكبر مستثمر أجنبي في الدولة بحجم استثمارات تصل 23.3 مليار درهم (6.3 مليار دولار) منذ عام 2020.
ومن المتوقع خلال الزيارة الحالية لجمهورية كوريا توقيع اتفاقيات جديدة ترمي إلى التوسع في التعاون الاقتصادي والتقني، بما في ذلك قطاعات الطاقة المتجددة، والأنظمة التقنية المتطورة، والاستثمارات المشتركة، والتبادل التجاري، والبنى التحتية، والتعليم، والصحة، والمواصلات، والاتصالات الحديثة.
وستحقق الاتفاقيات المتوقعة في المجالات المذكورة آنفاً مزيداً من التعاون المتكافئ والمفيد للطرفين، وهو ما يعبّر عن طبيعة العلاقات الدولية المستجدة، لا سيما في ظل وجود تبادل بالاتجاهين في كافة المجالات، وذلك بحكم التجارب التنموية للطرفين معاً. ففي الوقت الذي تملك فيه كل من الصين وجمهورية كوريا تقنيات متطورة في العديد من المجالات، كالطاقة المتجددة والصناعات الحديثة (كصناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات المعززة بالتحول الرقمي.. إلخ)، فإن دولة الإمارات تملك تجربة تنموية في مجال الطاقة والنقل وتطوير مرافق البنى التحتية، علاوة على نتائج التجارب التي قامت بها في الفضاء الخارجي، والتي شملت قطاعات حيوية، بيئية وصحية وبيولوجية وفلكية.. إلخ.
ولذا، فتشهد السنوات القادمة نقلة نوعية في العلاقات الإماراتية مع كل من الصين وكوريا، لتشكل إضافةً مهمةً تدعم العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان الآسيوية، وبالأخص كوريا والصين والهند وإندونيسيا، مما سيشكل تحولا جديداً ستترتب عليه تأثيرات مهمة في العلاقات الدولية بحكم الثقل الاقتصادي للأطراف التي تملك مصادر الطاقة والتكنولوجيا الحديثة، علاوة على الثقل التجاري المدعوم بالنمو والبرامج التنموية الطموحة.
*خبير ومستشار اقتصادي