تأتي الزيارات الخارجية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في إطار استراتيجيات دولة الإمارات لبناء شراكات اقتصادية مع مختلف دول العالم، تُعزز حضورها ومكانتها الاقتصادية إقليمياً وعالمياً. وتعكس زيارة سموه إلى جمهورية كوريا، التي بدأت أمس وتستمر لمدة يومين، تلبيةً لدعوة من الرئيس الكوري يون سيوك يول، علاقاتٍ نشأت وتطورت بين الدولتين على مدار 44 عاماً. 
وفي سياق هذه العلاقات المتميزة، تُعد الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بشراكة استراتيجية مع جمهورية كوريا، ومنذ الإعلان عن هذه الشراكة بدأ التعاون المشترك في مجالات متعددة تتجاوز الجانب السياسي لتشمل التعاون الاقتصادي في قطاعات تتضمن الموارد المائية والزراعة الذكية، والصناعات الناشئة، والبنية التحتية الذكية، والفضاء، والسياحة، والتكنولوجيا والاتصالات، والرعاية الصحية والخدمات الطبية، والاقتصاد الأخضر، والطاقة النظيفة.
ويُعدُّ مشروع «براكة» للطاقة النووية السلمية نموذجاً للتعاون المتميز بين الدولتين، كونه أول مشروع بناء محطات للطاقة النووية تنفذه جمهورية كوريا في الخارج، بعدما منحت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في ديسمبر 2009 ائتلافاً بقيادة شركة كوريا للطاقة الكهربائية (كيبكو) عقوداً بقيمة 20 مليار دولار لبناء المشروع، تضمنت دورات تدريبية في كوريا وفي الإمارات للكوادر الإماراتية على العمل في محطات براكة، ما يمثل استثماراً في العنصر البشري الذي يُعدُّ أهم ثروات الدولة.
وفور تشغيل المحطة الرابعة تجارياً، يُصبح إجمالي قدرة إنتاج الكهرباء النظيفة في محطات براكة 5.6 غيغاواط، ما يوفر أكثر من 40 تيراواط من الكهرباء النظيفة لشبكة كهرباء الدولة سنوياً، وهو ما يعادل 25% من استهلاك الكهرباء في الإمارات، إلى جانب الحد من ملايين الأطنان من الانبعاثات الكربونية، ومن ثم دعم جهود الإمارات لتحقيق أهدافها المناخية المتعلقة بالحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وعلى مستوى العلاقات التجارية، تُعدُّ الإمارات الشريك التجاري الثاني عربياً والـ14 عالمياً لكوريا خلال عام 2023، حيث تستحوذ الدولة على نسبة 20% من تجارة كوريا مع الدول العربية، فيما تُعدُّ كوريا الشريك التجاري العاشر لتجارة الإمارات غير النفطية مع دول آسيا غير العربية، وتحتل المرتبة الـ30 عالمياً، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا بنسبة 19.1% إلى نحو 5.6 مليار دولار من 4.7 مليار دولار بين عامي 2021 و2022. كما تُعدُّ الإمارات أكبر مُصدِّر للمنتجات النفطية المكرَّرة إلى كوريا، وبقيمة بلغت نحو 4.55 مليار دولار (ارتفعت بنحو 1.93 مليار دولار عن قيمتها في عام 2021) من إجماليّ واردات جمهورية كوريا من النفط المكرر والبالغة 26.1 مليار دولار عام 2022.
ومن جهة الاستثمارات، بلغ رصيد استثمارات جمهورية كوريا في دولة الإمارات نحو 2.2 مليار دولار حتى 2022، وتركزت في قطاعات المالية والتأمين والتعدين والطاقة والتكنولوجيا والعقارات، فيما تنشط الاستثمارات الإماراتية في كوريا، والبالغة نحو 578 مليون دولار، في قطاعات منها العقارات والاتصالات والطاقة والخدمات اللوجستية وغيرها. ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات الإماراتية في كوريا قفزة نوعية، بعد إعلان الإمارات عن خطتها لاستثمار 30 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة في جمهورية كوريا في قطاعات مرتبطة بالطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من قطاعات الاقتصاد الجديد. وتُسهم اللقاءات المستمرة، سواء على مستوى القمة أو من خلال دورات انعقاد اللجان الاقتصادية المشتركة، في دفع عجلة التعاون الثنائي وبحث سبل تطويره والقضاء على العوائق بشكل أسرع.
وإن المتتبع لمسار الزيارات الخارجية لصاحب السمو رئيس الدولة، يجدها تعبيراً عن الانفتاح الاقتصادي من جانب الإمارات على مختلف القوى الاقتصادية الفاعلة في العالم، ما يعكس المكانةَ الكبيرة التي وصلت إليها الإمارات في الاقتصاد العالمي، وقدرتها على بناء شراكات اقتصادية تعزز هذه المكانة، وحرص الدولة على اقتناص الفرص الاقتصادية التي تضمن تعزيز الدور الإماراتي في المجال الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية