ترتبط الهند وإيران بعلاقات وثيقة تعود إلى عصور قديمة. وهي علاقات استمرت في النمو خلال حكم المماليك ثم خلال حكم الإمبراطورية المغولية الناطقة باللغة الفارسية في الهند. وبعد أن نالت الهندُ استقلالَها عن البريطانيين، استمرت العلاقات التجارية والثقافية في مسارها الطبيعي وزادت ازدهاراً.
العقد الأخير شهد تدهوراً في علاقات إيران بالغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة. لكن رغم ذلك فقد واصلت نيودلهي علاقاتها مع طهران. ولم تثن الخلافاتُ العالمية المتزايدة الهندَ عن توقيع اتفاقية مدتها عشر سنوات مع إيران، الأسبوع الماضي، من أجل تطوير وتشغيل ميناء تشابهار الإيراني، وهو مشروع مشترك بين البلدين ظل معلقاً منذ فترة طويلة. الاتفاقية وقِّعت في طهران بين «شركة موانئ الهند العالمية المحدودة» و«منظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية»، وبموجبها ستستثمر الشركة الهندية نحو 120 مليون دولار لتجهيز وتشغيل الميناء لمدة 10 سنوات. وعلاوة على ذلك، ستقدّم الهندُ لإيران خطَّ ائتمان بقيمة 250 مليون دولار.
أهمية هذا الميناء تكمن في أنه يتجاوز دورَه كقناة بين الهند وإيران إلى الاضطلاع بدور شريان تجاري حيوي يربط الهند بأفغانستان وبلدان آسيا الوسطى. كما أن من شأن هذا التعاون بين نيودلهي وطهران أن يعزز قوةَ ومرونةَ سلسلة التوريد في المنطقة. الميناء يتميز بموقعه الاستراتيجي وقربه من حدود إيران مع باكستان، ويتيح للهند طريقاً بديلاً إلى أفغانستان وآسيا الوسطى بدلاً من الطريق البري عبر باكستان. وتقوم الهند حالياً، في المرحلة الأولى، بتطوير رصيفين من الميناء.
ميناء تشابهار مشروع قديم يعود تاريخه إلى عام 2002. فقبل أكثر من عقدين من الزمن، أجرت الهندُ وإيران محادثاتٍ حول تطوير هذا الميناء. وفي عام 2003، اتفق الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي ورئيس الوزراء الهندي آنذاك أتال بيهاري فاجبايي على تطوير الميناء. وفي عام 2016، قام رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي بزيارة إيران، حيث وقّع اتفاقاً لتشغيل ميناء تشابهار وإيجاد طريق بديل إلى أفغانستان. وبعد ذلك، قام الرئيس الإيراني في حينه حسن روحاني بافتتاح المرحلة الأولى لتوسيع الميناء، الذي يتم تطويره باستثمار قدره مليار دولار في سيستان بلوشستان، وهي محافظة تقع في جنوب شرق إيران، باستثمار هندي يبلغ 500 مليون دولار. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت الهند بتوفير 6 رافعات ميناء متنقلة وعدد من المعدات الأخرى بقيمة تصل 25 مليون دولار.
غير أن المشروع كان يتقدم ببطء بسبب العقوبات الأميركية على إيران، في الوقت الذي كانت تزداد فيه نيودلهي قرباً من واشنطن. وكانت الولايات المتحدة تنظر إلى ميناء تشابهار بشيء من القلق والتوجس، لكن لما كانت الهند منخرطة في المشروع، فإنها لم تجعل من هذا الموضوع مشكلة. ومن جانبها، أعفت إدارة ترامب مشروع ميناء تشابهار من العقوبات، لأن الهند كانت تلعب دوراً مميزاً في إعادة إعمار أفغانستان، والولايات المتحدة كانت على علم بمشاكل العبور التي تواجهها الهند من أجل الوصول إلى أفغانستان. بل إن الميناء استُخدم فعلياً لتوفير مواد إغاثة لأفغانستان. فخلال جائحة «كوفيد-19»، تم شحن ما مجموعه 2.5 مليون طن من القمح و2000 طن من البقول من الهند إلى أفغانستان عبر ميناء تشابهار. وفي عام 2021، أرسلت الهند إلى أفغانستان، عبر ميناء تشابهار، 40 ألف لتر من المبيدات الحشرية الصديقة للبيئة من أجل مكافحة هجمات الجراد.
غير أن علاقات الولايات المتحدة مع إيران تردّت بعد ذلك، ثم ازدادت تدهوراً لأسباب لها علاقة بتحالفات إيران في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا، ورغم التساهل الذي أبدته تجاه الهند في الماضي، فإن الولايات المتحدة قد لا تنظر إلى هذا الاتفاق الأخير بين إيران والهند بعين الرضا. ويذكر هنا أن واشنطن كانت قد فرضت أكثر من 600 عقوبة على كيانات مرتبطة بإيران على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي عقوبات ما زالت قائمة وليس هناك أي مؤشر على أنها ستُرفع قريباً.
متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إن أي كيان وأي شخص يفكر في عقد صفقات تجارية مع إيران يجب أن يكون مدركاً لاحتمال تعرّضه للعقوبات. ورغم هذا التحذير، فمن غير المتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء ضد الهند، وذلك لأن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة تنمو باطراد وسط تقارب المواقف. وإذا كانت العلاقات بين الهند وإيران يمكن أن تكون نقطة خلاف ومصدر توتر مع الولايات المتحدة، فإن الهند تتمتع باستقلاليتها الاستراتيجية وتحرص على أن تكون مصالحها الإقليمية مرعية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي