طفرة تقنية كبيرة يشهدها العالم من خلال تسارع وتيرة تقدم الذكاء الاصطناعي من النماذج اللغوية التوليدية إلي نماذج كبيرة متعددة الوسائط حيث يتم تطويرها ليس لتوليد النصوص فقط، بل لتوليد الأصوات، الصور، والفيديو، مع إمكانية تحليلها وربطها بحياة البشر الواقعية مثل نموذج GPT4o من شركة OpenAI، ومشروع Project Astra من جوجل ديب مايند.

إن الإعلان عن هذه المشاريع مؤخراً يؤكد التطور الكبير في إمكاناته وتطبيقاته، وهو سيناريو كان متوقعاً من قبل مجتمع الذكاء الاصطناعي، ويؤكد أهمية تعزيز التعاون الدولي والحوار بشأن الذكاء الاصطناعي (Al) في مواجهة تطوراته السريعة وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمعات.

هناك جهود دولية لإنشاء منظمات ولوائح لوضع قوانين وأطر مثل قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، الذي سيدخل حيز التنفيذ من الشهر القادم، ويهدف إلى ضمان الثقة والشفافية والمساءلة عند التعامل مع التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي سريعة التطور، التي قد تهدد حقوق الإنسان والمجتمعات، خاصة ما يتعلق بجمع بيانات الأفراد وأيضاً رصد تفاصيل عن حياتهم اليومية والممارسات الاجتماعية للحيلولة من دون تلاعب هذه الأنظمة بالسلوك البشري والأنظمة العامة ووضع معايير صارمة لتطبيقها ضمن حيز متعارف، ومتفق عليه مسبقاً. الاهتمام الدولي بحوكمة الذكاء الاصطناعي ظهر جلياً في نوفمبر الماضي من خلال القمة الأولى حول سلامة الذكاء الاصطناعي في بلتشلي بارك بالمملكة المتحدة بدعوة من رئيس وزراء بريطانيا، حيث شارك فيها عدد كبير من قادة العالم ووزراء ورواد التكنولوجيا لوضع الإطار الأولي لحوكمة الذكاء الاصطناعي.

ومن خلال مشاركتي في الحوارات ونقاشات الطاولات المستديرة مع المسؤولين، كان من المهم تسليط الضوء لتحديد معايير السلامة في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها من مرحلة التصميم والتطوير إلى مرحلة التطبيق والنشر بهدف تحقيق التوازن بين منظومة الابتكار والتقدم الصناعي باستخدام آليات الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وجدير بالثقة في الحكومات والمؤسسات والمجتمعات. قمة سيؤل: خطوة إلى الأمام وتأتي القمة الثانية حول سلامة الذكاء الاصطناعي المنعقدة في سيؤل في كوريا الجنوبية هذا الأسبوع، لتأكيد أن الأمر لم يعد يتعلق اذا ما كان ينبغي تفعيل حوكمة الذكاء الاصطناعي ولكن المسألة تتعلق الآن بكيفية تطبيقها على أرض الواقع بشكل فعال وبطريقة أكثر شمولية.

تكمن أهمية حوكمة الذكاء الاصطناعي في وضع الأطر واللوائح التي تضمن أن الذكاء الاصطناعي يخدم الإنسانية أخلاقياً ويتم تطويره وتطبيقه بشكل مسؤول في مختلف الصناعات والقطاعات وتحديد معايير السلامة في الذكاءالاصطناعي وتطبيقاتها. يجب أن تكون حوكمة الذكاء الاصطناعي قابلة للتكيف وقادرة على التطور مع التكنولوجيا التي تسعى إلى تنظيمها.

ويجب أن تكون شاملة، مع مراعاة الآثار المتنوعة للذكاء الاصطناعي عبر المجتمعات والثقافات المختلفة. تركزت الاستنتاجات الحالية من هذه القمم والمناقشات الجارية بين مختلف الهيئات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول بعض المبادئ الرئيسة حول حوكمة ووضع التشريعات والقوانين في الذكاء الاصطناعي من أجل استمرار سعي البشرية في الابتكار ولكن بشكل آمن ومفيد للبشرية. وفي ظل تسارع الطفرة التقنية، ومع تضافر الجهود في تشريعات وقوانين الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الصناعية المتقدمة، فقد بات من المؤكد أن الإنسان هو من يسعى لتشكيل مستقبل التكنولوجيا المتقدمة، فليكن له ذلك بحكمة وبصيرة ورؤية تؤكد سعيه للأفضل بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع والوطن.

* خبيرة تنفيذية في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.