تتحرك دولة الإمارات على مسرح العمليات الإقليمي والدولي انطلاقاً من ثوابت قائمة على المبادرة وقيادة التحركات الاستباقية دعماً للقضايا الإنسانية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تحظى بأولوية متقدمة في أجندة اهتمامات القيادة الرشيدة في ظل التزامها الراسخ تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق، وتضامنها الثابت مع مواطني قطاع غزَّة، ما تجسد مؤخراً في مواقف عدة، منها مساهمتها إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين في إرسال 569 طناً من المساعدات للفلسطينيين عبر الممر البحري الإنساني.
وبينما تماهت جهود الإمارات في إغاثة الشعب الفلسطيني مع مضامين تصريحات معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، في المؤتمر الوزاري بشأن الممر البحري الإنساني لقطاع غزَّة، الذي عقد في قبرص، مارس الماضي، فإنها اتسقت كذلك مع ثوابت سياسة دولة الإمارات ونهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي أكد منذ تأسيس الدولة أن دعم الإمارات للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق طموحَه في إقامة دولته المستقلة، لتصبح هذه الكلمات بمثابة ميثاق راسخ في دعم الدولة للقضية الفلسطينية.
ولذا، فقد كانت الإمارات أول دولة عربية تعترف بدولة فلسطين بعد إعلان استقلالها في عام 1988، في موقف تبعه اتخاذها لقرار في 4 يناير 1989 يقضي باعتبار البعثة الفلسطينية لديها سفارةً لدولة فلسطين واعتبار ممثلها سفيراً لدولة فلسطين، ضمن مسارٍ اتخذ منحىً تصاعدياً، وصولاً إلى تقديم دولة الإمارات مشروعَ قرار بشأن أهلية دولة فلسطين لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، تم اعتماده بغالبية 143 صوتاً ومعارضة 9 وامتناع 25 عن التصويت، في 10 مايو 2024 لتغدو فلسطين مؤهلةً لعضوية الأمم المتحدة وفقاً للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.
ورغم تشابك علاقات الإمارات مع مختلف القوى الدولية، فإنها صوّتت في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الأميركي الذي أغفل دعم المدنيين بغزَّة، بينما صوتت بالموافقة لصالح مشروع القرار الروسي (26 أكتوبر 2023) الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية، انطلاقاً من استقلالية المواقف الإماراتية واتزان سياستها الخارجية وسعيها لحماية الشعب الفلسطيني كأحد أهم أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة.
ديمومة مواقف الإمارات التي عكستها المواقف السابقة وعدم تبدلها على مدار العقود الخالية جسدتها رؤيةُ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي قاد اتصالات الإمارات ومشاوراتها الثنائية ومتعددة الأطراف إقليمياً ودولياً لإنهاء الحرب بقطاع غزَّة ودفع الجهود المبذولة تجاه مسار السلام الشامل والعادل.
وقد انعكس ذلك في استدامة عمليات الإنزال الجوي الإماراتية للمساعدات الإنسانية ومساهمتها في تأسيس رصيف بحري قبالة سواحل غزَّة، إضافة لعمليات «الفارس الشهم 3»، وإنشائها مستشفى ميدانياً في غزَّة، واستقبالها مئات الحالات الطبية لتلقي الرعاية الطبية والعلاج في مستشفيات الدولة بناءً على المبادرة التي أطلقها صاحب السمو رئيس الدولة لعلاج 1000 طفل مصاب من أبناء قطاع غزة و1000 من مرضى السرطان الفلسطينيين.
وجملة القول هي أن ثوابت الإمارات حيال القضية الفلسطينية تنطلق من محورية البعد الإنساني في سياساتها الخارجية واحترامها المواثيق الدولية ونهجها الثابت في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، الذي عنت بشؤونه مختلف بيانات الخارجية الإماراتية بتأكيدها الدائم على أحقيته في دولته المستقلة المنبثقة عن حقوقه الشرعية وما تستدعيه من ضرورة استئناف مفاوضات جادة وفعالة تدعم قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية