الرحلة دائما تبدأ عند نقطة الانطلاق، وتنتهي عند نقطة الهدف، ولكن رحلتنا في دولة الإمارات العربية المتحدة لا نقطة نهاية لها فهي رحلة مستدامة نحو المستقبل، فكل مستقبل سيأتي يولد معه مستقبل جديد بحلم جديد وتطلعات متطورة، وتتواكب مع تغيرات العصر.
منذ عدة أيام اطلعت على خبر عن والدي المغفور له الشيخ محمد بن خالد آل نهيان نشر في صحيفة الاتحاد في ستينيات القرن الماضي يتحدث عن إدخال نظام الآلة الحاسبة الإلكترونية في عمل دائرة المالية، والتي كان والدي -طيب الله ثراه- يشغل منصب نائب المدير في حينها، وعلى الجانب الآخر من التاريخ قبل سنوات قليلة دشن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. ومنذ أيام أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن استحداث منصب الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في المؤسسات الاتحادية في الدولة. وتأملت ما بين النقطتين رحلة من العطاء واليقين بقيمة التكنولوجيا والعلم والمعرفة في بناء حضارة مجتمعية مستدامة تتعمق في جذورها تقنيات العلم الحديث.
إنه لمن الظلم النظر برؤية ساذجة إلى ما تقدمه الإمارات من تطور تقني واعتباره تطوراً سطحياً يعتمد فقط على إعادة صياغة ما ينتجه الآخرون. أن التطور هو فعل تراكمي يُبنى على ما جاء به الآخرون؛ المعرفة تشاركية، والمجتمعات التي تسعى دائماً للمستقبل تكمل مسيرة الآخرين، تأخذ من معارفهم، وتطورها، وتضيف عليها، وتعيد إنتاجها وتقديمها للآخرين الذين يعملون في الاتجاه نفسه. هكذا هي الحضارة البشرية على مر التاريخ: حراك وزخم تبادلي في العلوم والمعرفة والنظم الاجتماعية. المهم أن تكون قادراً على أن تجد لك مكاناً على الخريطة العلمية عالمياً، وهذا ما نجحت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة.
حين نشأت دولة الإمارات العربية المتحدة في البدايات لم يكن لدينا الكوادر والمؤسسات العلمية التي تحقق هذا الطموح حيث كانت أول جامعة أنشأت في الدولة جامعة الإمارات عام 1976، أي لم يمض خمسون سنة على أول مؤسسة علمية في الدولة. والآن تعتبر المؤسسات العلمية والبحثية في دولة الإمارات العربية المتحدة من بين الأكثر تقدماً وتطوراً في المنطقة. فلدينا 74 مؤسسة تعليمية عُليا تعمل في الدولة بين جامعات محلية كجامعة الإمارات وجامعة الشارقة وفروع لجامعات أجنبية مثل جامعة السوربون أبوظبي والجامعة الأميركية، وتسعى الدولة جاهدة لتعزيز البحث العلمي والابتكار كجزء من استراتيجيتها لتحقيق اقتصاد مستدام ومعرفي، واستطاعت الدولة بناء كوادر علمية شابة إماراتية تساهم في تطوير الحياة العلمية والتقنية في الدولة وفي العالم.
تظل رفاهية المجتمع الإماراتي هي القيمة الكبرى في يقين قيادتنا الحكيمة على مر العصور. ومنذ بدأت إرهاصات دولة الإمارات العربية المتحدة كان هناك يقين بأهمية التماهي في التطور والحداثة، حتى انطلق الاتحاد معلناً عن قيام دولة تستهدف المستقبل والتطور، وتصر بكل طاقتها ألا تكون دولة تعيش على هامش الحضارة الإنسانية، بل استهدفت عمق الحضارة الإنسانية واتخاذ مكان تعبر من خلاله عن ذاتها الثقافية، وتصبح رقماً مؤثراً في المسيرة الإنسانية جميعها، وكيف يمكن لأي حضارة أن تسهم بدورها في مستقبل البشرية دون الاتكاء على العلم والتكنولوجيا، فكل عصر من عصور البشرية كان للحضارة حينها عمود رئيسي تقف عليه بنية تلك الحضارة، ونحن نعيش الآن عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والذي تحرص قيادتنا أن يكون هدفها دائماً هو تحقيق أعلى معدلات الرفاهية للمجتمع الإماراتي والبشرية كلها.
*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.