تابعت باهتمام بالغ يوم الخميس الماضي وقائع القمة العربية الـ33، التي عقدت في المنامة برئاسة جلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، استوقفني ما أعلنه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط حين قال( القمة تنعقد في ظرف استثنائي)، وواقع الحال قد يغنينا عن السؤال، فمنذ متى ولقاءات القادة والزعماء تعقد في ظروف طبيعية؟! أكاد أجزم أن أكثر من نصف دورات هذه القمة عقدت في ظروف استثنائية في ظل ما تواجهه المنطقة من توترات وأزمات تهدأ تارة وترتفع سخونتها تارة أخرى. وفي الأثناء تظهر على السطح وتتصاعد الأحداث في بؤرة أخرى بالمنطقة، وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد «تمس الأمة العربية في هويتها وأمنها وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها»
الشواهد على ما نقول تفوق الحصر، والملفات التي عرضت في القمة على القادة والزعماء عديدة ومتنوعة بداية من القضية الفلسطينية وبندها الثابت منذ 75 عاماً على جدول الأعمال وحولها تتوزع البنود ما بين لبنان وسوريا واليمن والسودان وحتى الصومال.
وفي ظل العدوان المتواصل على غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، كان من الطبيعي أن يتضمن البيان الختامي للقمة الذي حمل اسم «إعلان البحرين» الدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف إطلاق النار الفوري والدائم وإنهاء العدوان على القطاع، والدعوة لاتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين، كما دعا البيان إلى «نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة لفرض وقف إطلاق النار». وجددت القمة رفضها «القاطع» لأي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة وبما في ذلك القدس الشرقية، مع الدعوة إلى ضرورة «تمكين منظمات الإغاثة الدولية وفي مقدمتها الأونروا من القيام بمسؤوليتها بحرية وأمان».
وهنا يحسب للقمة أنها أخذت بزمام المبادرة ووضعت آلية واضحة ورسمت خطة محكمة لتنفيذ توصياتها، بضرورة «وضع سقف زمني للعملية السياسية والمفاوضات»، ومناشدة المجتمع الدولي والقوى العظمى على القيام بدورها في اتخاذ خطوات واضحة نحو تنفيذ حل الدولتين، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي وجود للاحتلال على أرضها، مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة.
ويمكن القول من واقع الخبرة التي يتمتع بها الملك حمد بن عيسى أنه عاقد العزم على إنجاز هذا الأمر بالتنسيق والتعاون مع القوى الدولية والهيئات والمنظمات العالمية مدعوماً من الزعماء والقادة العرب، وخاصة حاضنته الخليجية التي تتحرك برؤية واستراتيجية واحدة هدفها نزع فتيل الأزمات والسعي الجاد نحو استتباب الأمن وفرض الاستقرار في المنطقة، عبر السعي الجاد نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وحث دول العالم على الاعتراف بها، والحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
بعيداً عن القضية الفلسطينية، تصدرت أجندة القمة الأزمات العربية المستمرة وعلى رأسها الأوضاع في السودان. كما ناقشت القمة السبل الممكنة لدعم لبنان من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي الذي تعيشه بيروت منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون أكتوبر 2022 من دون انتخاب خلف له، ودعوة كافة الأطراف اللبنانية للحوار من أجل عبور الأزمة السياسية الحالية، واطلع القادة على آخر المستجدات في ليبيا واليمن، وغيرها من التحديات التي تواجه الأمة العربية، وسبل مواجهتها عبر تعزيز التضامن العربي على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية.
كل الأمنيات أن تنجح رئاسة القمة في دورتها الحالية في تعميق عُرى وأواصر التعاون والترابط والدفع بآليات العمل العربي المشترك، والإبقاء على تشاور وتنسيق عربي مستمر لبحث القضايا ذات الاهتمام والمصير المشترك، وتغليب المصلحة العربية، واستثمار حالة التفاهم والتناغم بين قادة وزعماء المنطقة لرسم مسارات الازدهار لأبناء الأمة العربية ومستقبلها، في ظل تحديات لا تخفى على أحد في كافة المجالات ووسط صراعات إقليمية ودولية تفرض علينا وحدة الصف والتضامن، دفاعاً عن مصالحنا الحيوية وأمننا القومي، وتعبيراً عن آمال شعوبنا في مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والنماء والازدهار.