القمة العربية في البحرين كانت قمة استثنائية في الواقع، وقد انعقدت في ظروف صعبة، فكثير من الدول العربية لا تزال تعاني آثارَ الأزمات والحروب، وهنا نذكر سوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان، وبكل تأكيد نذكر مأساة الفلسطينيين في غزة، المأساة التي لم تجد نهاية لما يعانيه القطاع، فيما مئات آلاف الفلسطينيين يعانون آثار الحرب المشتعلة، وسط نقص الطعام والمياه والطبابة وكافة الخدمات الأساسية. لكل ذلك فقد جاءت القمة في توقيت هام، فالوضع الإنساني في غزة يجب أن يكون له الأهمية القصوى دون تأخير، وسط معالجة فورية له بالتعاون مع دول العالم كافة. دولة الإمارات كانت ولا تزال داعمة لحقوق الفلسطينيين، وموقفها واضح وجلي، وقد تَرجم هذا الموقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حين قال: «موقف الإمارات راسخ ومستمر في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، عبر جهودنا الإنسانية والإغاثية في قطاع غزة، حيث تتصدر الإمارات كافة دول العالم في تقديم المساعدات الإغاثية على الأرض».
وهنا يكفي أن نعلم أن 27% من إجمالي المساعدة التي تم إرسالها للقطاع هي من دولة الإمارات، أي أن الدولة أرسلت ما يزيد على ربع المساعدات العالمية لغزة، وما يزيد على 541 طناً من المساعدات التي تم إسقاطها جواً، بسب استحالة وصول تلك المساعدات بطرق أخرى عبر المناطق المشتعلة. القمة العربية ركزت على الحرب في غزة وأكدت على الثوابت، وعلى ضرورة إيجاد حلول لإنهاء الحرب الطويلة التي أنهكت المدنيين، كما أكدت أن السلام هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، وأن على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته في تحقيق السلام و«حل الدولتين».
وما قد وضعته القمة هو خريطة طريق واضحة المعالم، وعلى الدول الكبرى الضغط في هذا الاتجاه، لكي يسود الأمن والسلام، وتنهي هذه الحروب التي جلبت البؤس والدمار. ولا بد من التركيز على شقين أساسيين هما إيقاف الحرب في غزة، وبموازاة ذلك تدفق المساعدات الإنسانية إليها، فهناك مئات الآلاف من السكان لا يستطيعون انتظار القرارات السياسية أو العسكرية أو الاتفاقات، لأن ثمة حاجة عاجلة لتوفير المساعدات دون أي تأخير، ولذا يجب السماح بضخ المساعدات، وتوفير ملاذ آمن للمدنيين، فحمايتهم يجب أن تكون في المقام الأول وقبل أي شيء آخر، وكل ذلك لا يتم من دون إنهاء الحرب وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
ورغم أن الحرب على غزة هيمنت على القمة، فهناك قضايا أخرى مهمة جرى التطرق لها، وهي قضايا عاجلة وتحتاج لحلول، فحين نتحدث عن السودان والنزاع والصراع فيه نتذكر المدنيين ومعاناتهم هناك، فقد تسببت الحرب بجلاء الآلاف من مناطق الصراع، فيما أصبحوا لاجئين في مدن أخرى أو حتى في دول أخرى، وهو وضع مستمر في التدهور، ولن يتم حله إلا بالمفاوضات والجلوس على طاولة الحوار وتغليب مصلحة السودان على ما سواها، بغية إيجاد قاعدة يتم الانطلاق منها نحو إنهاء الصراع وإحلال السلام. لبنان أيضاً الحاضرة في مخرجات القمة العربية، يجب أن يحقق الاستقرار السياسي وينهي التشظي ويوحد قرارات الدولة ومؤسساتها ويقويها، مع العمل على الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، بما يحقق لهذا البلد استعادة موقعه ومكانته. وبالنسبة لسوريا هناك أيضاً ضرورة لإنهاء الأزمة وعودة اللاجئين إلى مناطقهم، ومنع أي تغيير ديموغرافي قسري، والعمل على إعمار البلاد وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
*كاتب إماراتي