تستعد مصر لاجتياز المراجعة الثانية لصندوق النقد الدولي بسهولة فائقة في يونيو المقبل، وتتسلم قيمة الدفعة الثانية البالغة 820 مليون دولار، من أصل القرض المتفق عليه بقيمة ثلاثة مليارات دولار (الدفعة الأولى تسلمتها في أبريل الماضي)، وذلك وسط سلسلة مؤشرات إيجابية من مصادر دولية مختلفة تؤكد «ثقة قياسية» لدى المستثمرين بتطور مسيرة الاقتصاد المصري وقدرته على استثمار «فائض السيولة الدولارية» وعلى الوفاء بالتزاماته العربية والدولية. وكما يقول وزير المالية محمد معيط، فقد أصبح الاقتصاد المصري يملك قدرةً أكبر على تلبية الحاجات التمويلية المستقبلية، وسط التحديات العالمية والإقليمية الصعبة، المترتبة على الحربين في أوكرانيا وغزة، والتوترات القائمة في البحر الأحمر.
ويضيف الوزير المصري مؤكداً أن الاتفاق مع صندوق النقد، والحزم الناعمة من مؤسسات التمويل وشركاء التنمية الدوليين، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأخيرة والمتوقعة خلال الفترة المقبلة، تعزز الاستقرار والتقدم الاقتصادي، وتسهم في تخفيف حدة الضغوط التمويلية على المديين القصير والمتوسط. ومع تحسن المؤشرات، عدّلت الحكومة توقعاتها لعجز الموازنة الكلي للعام المالي 2023-2024 من 7.7 في المئة إلى 3.95 في المئة، وذلك بعد تحصيل 12 مليار دولار لصالح الخزانة العامة من صفقة «رأس الحكمة» الإماراتية، ورفعت توقعاتها لتحقيق فائض أولي بواقع 5.75 في المئة. ووفق بيانات مؤسسة «استاندرد أند بورز»، أبدت شركات القطاع غير النفطي، ثقةً أكبر تجاه توقعات النشاط في العام المقبل، حيث وصل «مستوى الثقة» إلى أعلى معدلاته منذ ستة أشهر، مما يعكس التطلع إلى استقرار سعر الصرف، وانخفاض الأسعار، وتحسن توافر المواد. وأضافت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني «شهادة ثقة جديدة» في قوة الاقتصاد المصري، بإعلانها تعديل نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر السيادي من«مستقرة» إلى «إيجابية»، مدعومةً بتراجع أخطار التمويل الخارجي. وأشارت الوكالة إلى أن الاستثمار في صفقة «رأس الحكمة»، يؤكد قوة الدعم المالي الذي تقدمه دول مجلس التعاون الخليجي لمصر. وأوضحت أن «لديها ثقة أكبر إلى حد ما في أن مرونة سعر الصرف ستكون أكثر استدامة مما كانت عليه في الماضي».
وتدل أرقام البنك المركزي على ارتفاع صافي احتياطات النقد الأجنبي بأكثر من 5 مليارات دولار في مارس الماضي، ليصل نحو 40.36 مليار دولار، ثم تجاوز 41 مليار دولار في شهر أبريل. وتوقع بنك «جيه بي مورغان» ارتفاعه بنحو 16.2 مليار دولار في العام المالي المقبل ونحو 2.6 مليار دولار في العام المالي (2025-2026). كما توقع وصول صافي تدفقات استثمارات المحافظ الأجنبية خلال العام الحالي إلى 8.1 مليار دولار.
أما صندوق النقد الدولي فتوقع ارتفاع حصيلة مصر من تدفقات النقد الأجنبي بنحو 13.7 مليار دولار، وبنسبة 14.6 في المئة، مقارنةً بما كانت عليه في العام الماضي. ورجّح خبراء الصندوق، مع تنفيذ المراجعتين الأولى والثانية، أن تصل تدفقات النقد الأجنبي خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي بنهاية يونيو المقبل إلى نحو 107.3 مليار دولار، مقابل 93.6 مليار دولار العام الماضي.وفي ظل استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية، قلصت الحكومة المصرية من حجم الاقتراض المباشر من البنك المركزي في مارس الماضي بنسبة 24 في المئة، على أساس شهري، إلى 1.696 تريليون جنيه (35.427 مليار دولار)، تلبيةً لطلب صندوق النقد الذي يحرص عادة على وضع شرطين في اتفاقاته مع الدول، أحدهما يحدد سقفاً لاقتراض الحكومة من البنك المركزي، والثاني يضع حداً أدنى لاحتياطي «المركزي» من الدولار. ويهدف من ذلك التأكد من أن ميزانية «المركزي» متسقة مع سعر الصرف والتضخم، وحتى تتجنب البنوك المركزية التدخل في السوق لتثبيت أسعار صرف عملاتها أمام الدولار عند مستوى معين.
*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية