تحدث احتجاجات الطلبة ضد السلطة في دول الغرب منذ قرون عديدة. وفي العقود والسنوات الأخيرة، نجحت بعض الاحتجاجات في تغيير قوانين راسخة ومتجذرة. ففي فبراير 1960، على سبيل المثال، خرق طلبة سود في جرينسبورو بولاية كارولاينا الشمالية القانون، حين جلسوا إلى طاولة طعام في متجر «وولوورث» المحلي كانت مخصصة للبيض فقط وفقاً لنظام الفصل العنصري الذي كان قائماً آنذاك في الولايات الأميركية الجنوبية. فتعرّض الطلبة المحتجون للاعتقال، لكن خلال الأسابيع التالية، حلّ محلهم عشرات الطلبة الآخرين لمواصلة الاحتجاج، وفي نهاية المطاف، تأتّى إلغاء الفصل العنصري في العديد من المؤسسات المماثلة.
كما نجحت مظاهرات حاشدة شهدتها جامعة بيركلي في كاليفورنيا عام 1964، احتجاجاً على قوانين الولاية، في إزالة القيود التي كانت مفروضة على حرية التعبير. وحفّزت تلك الحركة العديدَ من الاحتجاجات الأخرى من قبل منظمات الحقوق المدنية عبر الولايات المتحدة، ولعبت دوراً رئيساً في القانون الجديد الخاص بالحقوق المدنية الذي أقرته إدارة ليندون جونسون.
غير أن بعض الاحتجاجات انتهت نهايةً مأساويةً، واتّسمت بخسائر كبيرة في الأرواح، لا سيما في بلدان أوروبا الشرقية وبعض الدول الشيوعية الأخرى خلال عقود الحرب الباردة، حين كان العالم منقسماً إلى كتلتين متصارعتين، مما كان يشكل تحدياً في كل مرة للسلطات الشيوعية في تلك البلدان. وفي العديد من المرات قُتل عشرات الطلبة، وفي كل مرة تقوم السلطات الصينية بمنع أي تغطية إعلامية لتلك الأحداث، وبمنع أي إشارة إليها في كل وسائل الإعلام المحلية.
المظاهرات الطلابية الحالية التي تشهدها الجامعات الأميركية، وبعض الجامعات الغربية الأخرى، احتجاجاً على استخدام قيام إسرائيل باستخدام القوة العسكرية ضد المدن والأحياء السكنية والسكان المدنيين في غزة، تصدّرت عناوين الأخبار خلال الأشهر القليلة الماضية. كما غصّت وسائل الإعلام بقصص حول المواجهات بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين للفلسطينيين من جانب وإدارات الجامعات ووكالات إنفاذ القانون المحلية من جانب آخر.
وفي الوقت الحالي تحديداً، وهو الموعد السنوي الذي يشهد حفلات التخرج وبروفات التخرج، يأتي الآلاف من آباء الطلبة وأصدقائهم وأقاربهم ليكونوا جزءاً من هذه الاحتفالات التي تدوم لأيام عدة. لكن حتى الآن، لم تحدث أعمال عنف من النوع الذي أشرنا إليه أعلاه، والاضطرابات الخطيرة التي حدثت قبل أسابيع عدة توقفت الآن. وقد يعود سبب ذلك إلى أن الهجوم الإسرائيلي على رفح في جنوب غزة لم يكن بقوة أو دموية الهجمات الإسرائيلية نفسها على شمال غزة ووسطها. ومن بين الأسباب كذلك أن مطالب الطلبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وبسحب الجامعات لاستثماراتها من الشركات الإسرائيلية، قوبلت بالرفض عموماً.
وعلاوة على ذلك، جرى تشديد الإجراءات الأمنية، وكذلك الإجراءات العقابية بحق الطلبة الذين تصدر عنهم أعمال وسلوكيات تتسبب في عرقلة السير العادي للدراسة بالجامعات. ثم هناك عامل آخر يتمثل في رد الفعل القوي والمتزايد ضد الطلبة المؤيدين للفلسطينيين من قبل المنظمات المؤيدة لإسرائيل وأولياء الأمور الذين يدفعون مبالغ طائلة من أجل تعليم أبنائهم، وفي تهديدات الكونجرس الأميركي والمؤسسات السياسية المحلية بحجب التمويل عن المؤسسات التي لا تتخذ إجراءات صارمة ضد انتهاك القوانين.
ولعل التطور الأكثر أهمية هو ظهور سردية أكثر مراعاة للاختلافات والتفاصيل الدقيقة تعترف بالخسائر الفظيعة التي لحقت بالمدنيين الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية، ولكنها تحمّل مسؤوليةَ الأزمة لسلوك ومواقف «حماس» التي بدأت العنف الحالي بطريقة وحشية للغاية وهي تعلم أن مواطنيها سيعانون تبعات ما قامت به في الوقت الذي ما تزال تدعو فيه إلى تدمير الدولة الإسرائيلية. وعلاوة على ذلك، هناك تقارير متزايدة عن غضب المدنيين في غزة الذين يعتقدون أن معاناتهم ستستمر طالما أن «حماس» ترفض إطلاق سراح مَن تبقَّى من الرهائن الإسرائيليين أو كشف مصيرهم.
وفي الأثناء، لا يُظهر العداء بين الطلبة المؤيدين للفلسطينيين والطلبة المؤيدين لإسرائيل أي مؤشر على الانتهاء قريباً. غير أن هناك بعض الأمل في أن تصل كل مجموعة مع مرور الوقت إلى فهم أفضل لمدى صعوبة المشاكل وتعقيدها، فتصبح بالتالي أكثر تسامحاً وتقبلاً للطرق البديلة لبناء التسويات والثقة المتبادلة.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» - واشنطن