في نوفمبر 2022، وبعد شهر واحد فقط على اقتنائه «تويتر»، أعلن إيلون ماسك بشكل مفاجئ عن ترحيبه بعودة المستخدم الأكثر شهرة وتأثيراً في شركة التواصل الاجتماعي. وكان دونالد ترامب قد مُنع من استخدام المنصة منذ الأيام التي أعقبت تمرد 6 يناير 2021، حينما أعلنت الشركة عن تعليق حسابه «بسبب خطر التحريض على العنف». لكن، وكما تبيِّن زوي شيفر في كتابها الجديد «الولاء الشديد.. داخل تويتر إيلون ماسك»، لم يشكّل هذا الخطر مصدر قلق حقيقي للمالك الجديد للمنصة، بل تقول شيفر إن قرار «تويتر» حظر حساب ترامب مثّل «نقطة تحوّل» في موقف ماسك تجاه الشركة، وكان في نظره عرَضاً من أعراض الرقابة غير المبررة التي حدت به إلى إنقاذ منصته المفضلة مما أسماه «فيروس العقل الواعي بقضايا اليسار الاجتماعية».
غير أن إعادة حساب دونالد ترامب لم تتم بسلاسة، وذلك لأن أنظمة «تويتر» لم تكن مصممة لاستعادة حساب يضم قرابة 90 مليون متابع بسرعة. كما أن معظم المهندسين الذين كانوا يعرفون كيفية حل المشكلة كانوا قد سرِّحوا تنفيذاً لأوامر ماسك.
في البداية، تكهن ماسك كثيراً بعودة ترامب، وجرّ عليه قرارُه السماحَ للرئيس الأميركي السابق بالعودة إلى المنصة غضباً من اليسار واستحساناً من اليمين. غير أنه عندما رُفع الحظر عن حساب ترامب، لم يكن بالجاذبية التي كان يتمناها ماسك، إذ لم ينشر عليه ترامب سوى تدوينة واحدة منذ أن أُعيد إليه.
والواقع أن بنية هذه الحلقة مألوفة ونجدها في الكثير من الحلقات الأخرى التي يسردها كِتاب «الولاء الشديد» الذي يصف قيادة ماسك الذي يتصرف من دون اكتراث للجوانب السلبية الكارثية المحتملة، ويقلب قرار القيادة السابقة للشركة رأساً على عقب، بينما يبذل الطاقم الصغير المتبقي ما في وسعه للحد من الخسائر وإصلاح الأضرار الناجمة عن هذا القرار. وفي الأثناء، تلوح في الأفق بشكل متزايد ميولات ماسك السياسية اليمينية المتشددة، التي تؤشر إلى تحوّل عنيف في الحياة الأميركية.. لكن في نهاية المطاف، لا يستطيع هذا الاندفاع أن يمنح ماسك أكثر شيء يرغب فيه، ألا وهو الاهتمام.
كتاب «الولاء الشديد.. داخل تويتر إيلون ماسك»، الذي سُمي باسم أسلوب العمل الذي قال ماسك إنه سيتوقّعه من موظفي «تويتر»، يستند إلى تقارير شيفر الصحافية وكتاباتها المبكرة حول الموضوع ليتيح أقرب نظرة حتى الآن على تدمير ماسك لما كان يمثّل ذات يوم جزءاً أساسياً من الساحة العامة العالمية. وفيه تتنقل شيفر بشكل سريع بين عرض ماسك الاندفاعي الأول لشراء المنصة، ومحاولته شبه الفورية للتراجع عن صفقة الشراء التي بلغت قيمتها 44 مليار دولار، والدعوى القضائية التي رفعها ضده مجلس إدارة «تويتر» وأجبرته على المضي قدماً في إتمام الصفقة رغم كل شيء، ثم حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت ذلك حينما دخل من باب الشركة في نهاية المطاف.
والحق أن شخصية ماسك تميل إلى تحويل كل ما يُكتب عنه إلى دراسة لشخصه، تركّز على قراراته. وفي هذا الصدد، تبذل شيفر ما في وسعها للإفلات من جاذبية هذا المدار وعدم السقوط فيه، فتركِّز على تجارب موظفي «تويتر» الذين قُلبت حيواتهم بشكل شبه أحادي تقريباً جرّاء عملية الاستحواذ. وتخلص المؤلفة إلى أن ماسك - وبكل بساطة - رئيس غير موفق، لأنه يقدّم مطالب ليست معقولة، ويرفض الإصغاء إلى النصائح، ويعرّض موظفيه للخطر عبر إطلاق جيوش من أتباعه لمضايقة مَن يعارضونه، كما تقول.
شيفر تعلن منذ البداية أن هذا الكتاب «ليس ترجمة لحياة إيلون ماسك»، وتفرد حيزاً مهماً منه للحديث عن الأشياء التي حطّمها ماسك. غير أن قصة استحواذه على الشركة هي أيضاً قصة إخفاقات تتعلق بالإدارة والحكامة التي سمحت له بتدمير تلك الأشياء. ففي رسالة على حساب الشركة على تطبيق «سلاك»، روى أحد موظفي «تويتر» لزملائه أنه سمع محامي ماسك يرفض التزام الشركة بمرسوم قضائي بشأن خصوصية المستخدم مع «لجنة التجارة الفيدرالية». ونقل الموظف عن المحامي قوله: «إن إيلون يرسل الصواريخ إلى الفضاء.. ولا يهاب لجنة التجارة الفيدرالية». فالمهم هو المال، وماسك سُمح له بالحصول على ما يكفي منه لدرجة أنه يبدو قادراً على فعل ما يحلو له. وحتى في الحالات التي يظهر فيها وهو يتعرض للمساءلة لفترة قصيرة، فإن تأثير المال لا تخطئه العين. وعلى سبيل المثال، فإن رغبته في تحويل «تويتر» إلى ملعب لأغرب ما في الطبيعة البشرية لم تقاومها سوى حساسية المعلنين الذين رفضوا رؤية منتجاتهم تُعرض إلى جانب منشورات للنازيين الجدد. وعندما أُرغم على المضي قدماً في عملية الشراء، كان ذلك بسبب مجموعة من القوانين التي تقدّم مصالح المساهمين على ما سواها.
ولهذا، فربما ليس من المفاجئ أن ينصبّ تركيز ماسك منذ استحواذه على الشركة على مهاجمة المزعجين والمنتقدين القلائل المتبقين، ومنهم مسؤولون سابقون وصحافيون وباحثون. وفي هذا الإطار أيضاً، رفعت «إكس» دعوى قضائية في نوفمبر الماضي ضد مؤسسة «ميديا ماترز فور أميركا» («وسائل الإعلام مهمة لأميركا»)، بعد أن أصدرت هذه المنظمة الرقابية تقريراً حول إعلانات على المنصة تظهر إلى جانب إعلانات لليمين المتشدد. ولهذا، فالتحالف بين ماسك والتيار المتشدد في الحزب «الجمهوري» دليل على أهمية فهم «إكس» في عهد ماسك، ليس فقط باعتباره أداةً لإرضاء ميولات رجل ثري ونافذ، ولكن أيضاً باعتباره نتاجاً لرد فعل يميني أكبر ضد أي بنية مؤسساتية تسعى إلى تقييد رغبات الأثرياء والنافذين.
وفي هذا الإطار، يمكن القول إن هذه السنة الانتخابية في أميركا ستمثّل أرضيةَ اختبار، حتى وإن لم يعد ترامب للنشر على منصة «إكس» بانتظام، لا سيما بعد أن فكّك ماسك العديد من الهياكل التي كانت أُنشئت قبله في الشركة بهدف التصدي للأكاذيب والمعلومات المغلوطة التي قد تكون مضرةً، على غرار الدعاية التي ساهمت في أحداث 6 يناير.
محمد وقيف
الكتاب: الولاء الشديد... داخل تويتر إيلون ماسك
المؤلفة: زوي شيفر
الناشر: بورتفوليو
تاريخ النشر: فبراير 2024
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»