يسألني القراء، وبدأت أسأل نفسي مؤخراً، عن موقفي من مظاهرات طلاب الجامعات المطالبة بوقف الحرب في قطاع غزة. كل من يقرأ مقالاتي منذ 7 أكتوبر يعلم أن تركيزي كان منصباً على الأحداث الميدانية في الشرق الأوسط، ولكن هذه الظاهرة أصبحت أكبر من أن تتجاهل. باختصار: إنني أجد الأمر برمته مقلقاً جداً، لأن الرسائل المهيمنة الصادرة عن أعلى الأصوات، والعديد من اللافتات ترفض بعض الحقائق المهمة حول كيف بدأت حرب غزة الأخيرة هذه، وما هو مطلوب لإنهائها نهاية عادلة ومستدامة.
مشكلتي ليست في أن هذه الاحتجاجات بشكل عام «معادية للسامية» -- فأنا لن أستخدم هذه الكلمة لوصفها، والواقع أنني أشعر بانزعاج شديد كيهودي إزاء الكيفية التي يتم بها استخدام تهمة معاداة السامية على المشكلة الإسرائيلية- الفلسطينية، بل مشكلتي هي أنني شخص براغماتي وواقعي، ويعرف شيئاً من العقود التي قضيتها في المنطقة، ألا وهو أن الحل الوحيد العادل والقابل للتطبيق لهذه القضية هو دولتان قوميتان لشعبين.
وانطلاقاً من كل ما قرأتُه وشاهدته، فإن الكثير من هذه الاحتجاجات أضحت جزءاً من المشكلة، لثلاثة أسباب رئيسة: أولاً، إنها كلها تقريباً تتعلق بوقف سلوك إسرائيل المخزي في قتل الكثير من المدنيين الفلسطينيين أثناء مطاردتها مقاتلي «حماس»، بينما يعذرون «حماس» على انتهاكها المخزي لوقف إطلاق النار الذي كان قائماً يوم 7 أكتوبر.
مرة أخرى، يمكنك أن تكون مصدوماً وحزيناً إزاء رد إسرائيل، ويفترض أن تكون كذلك: قصف كل ما في طريقها في غزة بشكل جد عشوائي وغير متناسب لدرجة أن آلاف الأطفال قُتلوا أو فقدوا أطرافهم أو تيتّموا. غير أنك إذا كنت ترفض الاعتراف بما فعلته «حماس» للتسبب في ذلك -- الهدف هنا ليس تبرير ما فعلته إسرائيل، وإنما تفسير كيف أمكنها التسبب في كل هذه المعاناة للرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين بشكل عكسي -- فإنك متحيز آخر يرمي قطعة حطب على النار. وبعذرها (حماس) على ما صنعت وإعفائها من المسؤولية، وضعت الاحتجاجات المسؤولية على عاتق إسرائيل لدرجة أن وجودها نفسه أضحى هدفاً لبعض الطلبة، في حين ينظر إلى سلوك «حماس» على أنه مغامرة في إنهاء الاستعمار تستحق الإشادة.
ثانياً، أؤمن بحل دولتين تنسحب فيه إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق العربية في القدس الشرقية، مقابل ضمانات أمنية، وتقام فيه دولة فلسطينية منزوعة السلاح تقبل بمبدأ دولتين لشعبين في تلك الأراضي المحتلة عام 1967.
أما السبب الثالث الذي يجعل من هذه الاحتجاجات جزءاً من المشكلة، فهو أنها تتجاهل رأي العديد من الفلسطينيين في غزة الذين يمقتون تسلط «حماس». فهؤلاء الفلسطينيون غاضبون تحديداً بسبب ما تتجاهله هذه المظاهرات الطلابية: أن «حماس» شنّت هذه الحرب من دون استئذان سكان غزة، ومن دون اتخاذهم أي استعدادات لحماية أنفسهم، رغم أن «حماس» كانت تعلم أن رداً إسرائيلياً وحشياً سيتلو ذلك. بل إن مسؤولاً في «حماس» قال في بداية الحرب إن أنفاق الحركة هي من أجل مقاتليها فقط وليس من أجل المدنيين.
هذا لا يعني إعفاء إسرائيل وتبرئتها من تجاوزاتها. ولكن، مرة أخرى، هذا لا يعني أيضاً إعفاء «حماس» وتبرئة ساحتها من التسبب في ذلك.
وشخصياً، أعتقدُ أن «حماس» كانت مستعدة للتضحية بآلاف المدنيين في غزة من أجل كسب تأييد الجيل العالمي القادم على «تيك توك». وقد نجحت في ذلك، ولكن أحد أسباب هذا النجاح هو افتقار الكثيرين من أبناء هذا الجيل إلى التفكير النقدي.
ولو كان الحرم الجامعي يضم طلاباً يفكرون بشكل نقدي، فربما كان سيعقد ندوة حول هذا الموضوع في الحديقة المركزية، وليس فقط حول عنف المستوطنين الإسرائيليين.
أكثر ما يحتاجه الفلسطينيون والإسرائيليون الآن ليس حركات عدم الاستثمار الاستعراضية، وإنما حركات حقيقية للاستثمار المؤثّر، وليس التهديد بحرب أعمق في رفح، وإنما طريقة لاكتساب مزيد من الشركاء من أجل السلام.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
*كاتب وصحافي أميركي