لا يعني استخدام روسيا حق النقض ضد مشروع قرارٍ أميركي ياباني بشأن حظر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي، وامتناع الصين عن التصويت عليه، وجود خلافٍ على حماية هذا الفضاء من أخطار التسلح.. بل الواقع أن الجميع متفقون على الالتزامات المتضمنة في معاهدة المبادئ المُنَظِمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي الموقعة عام 1967. وتضع هذه المعاهدة الإطار الأساسي للقانون الدولي للفضاء، وهي تحظر وضع أسلحةٍ نوويةٍ أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي أو على أي أجرامٍ سماوية، وتُحدد المبادئَ الأساسيةَ لاستخدامه في الأغراض السلمية لفائدة الدول جميعها.
والملاحظ أن مشروع القرار الذي منعه «الفيتو» الروسي، الأسبوع الماضي، لا يخرج عن الالتزامات الواردة في هذه المعاهدة، بل يعيد تأكيدَها مع اختلافاتٍ بسيطة في الصياغة. ولم يكن اعتراض موسكو على ما تضمنه المشروع، بل على عدم إضافة حظر استخدام الأسلحة التقليدية أيضاً في الفضاء الخارجي، إلى جانب ما رأته من وجهة نظرها قصوراً في تحديد الالتزامات وفقاً للمتغيرات الراهنة في العالم. ولهذا فقبل أن تعترض موسكو على مشروع القرار، اقترحت تعديلاً قالت إنه يَجعلُه أكثر شمولاً وتحديداً عن طريق الدعوة إلى اتخاذ تدابير عاجلة تمنعُ إلى الأبد إمكانات وضع أية أسلحة في الفضاء الخارجي، وتحولُ دون التهديد باستعمال القوة أو استخدامها فيه بالفعل.
وإذا كان لذلك التعديل، الذي لم يُدرج في المشروع، من دلالةٍ فهي أن أزمة عدم الثقة بين موسكو – ومعها بكين – وواشنطن، بلغت ذروةً غير مسبوقةٍ حتى في مرحلة الحرب الباردة الدولية. فلو أن هذه الأزمة أقل حدةً مما بلغته، لربما أمكن التفاهم على صيغةٍ تجمعُ بين المشروع الأميركي الياباني والتعديل الروسي، حيث لا يوجد تعارضُ بينهما. لكن غياب الثقة حال دون الوصول إلى مثل هذه الصيغة بطريقةٍ تُرضي كلاً من الطرفين، أو بالأحرى تَحدُّ مِن شكوك كلٍ منهما في نوايا الآخر.
لكن لحسن الحظ ما زال بالإمكان التطلع إلى تفاهمٍ على مثل هذه الصيغة في مرحلةٍ تالية يؤمّل أن تقلّ فيها الشكوك المتبادلة الراهنة. فحظر وضع أسلحة في الفضاء الخارجي أو على أجرام سماوية، وفقاً للمقترح الأخير، لا يزال بعيداً، لأنه يرتبط باستعداد جدي لحرب نووية. كما أن استهداف الأقمار الاصطناعية، التي تُستخدم لجمع معلومات استراتيجية إلى جانب أغراضها التجارية الاتصالية والتسويقية وغيرها، يتطلبُ تطويرَ سلاحٍ يعمل بالطاقة النووية ويُصَّممُ بطريقةٍ تُمكِّنُه من تعطيل الأجهزة الإلكترونية في الأقمار الاصطناعية أو التشويش عليها، بدلاً من ضربها وإسقاطها. ولا يوجد بعد ما يدلُ على وجود خططٍ لتصنيع مثل هذا السلاح حالياً في أيٍ من الدول التي تملك قدرةً على ذلك.
ولهذا فالمأمول أن تتيح تهدئة التوتر الشديد في العالم حالياً، بعد انتهاء حربي أوكرانيا وغزة، فرصةً للتفاهم على صيغةٍ جامعةٍ مانعةٍ لتعزيز الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي واتخاذ تدابير أكثر فعالية لمنع عسكرته.
*مستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية