ينعكس اهتمام دولة الإمارات بتطوير قطاع التعليم العالي، في سعيها المستمر لإحداث نقلة نوعية في هذا المجال، انطلاقاً من استراتيجية راسخة تؤكدها رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عندما أشار سموه إلى أن «التعليم يمثل أولوية وطنية قصوى، وأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي الذي ننشده».
وما تزال مؤسسات التعليم العالي في دولة الإمارات تحقق تقدُّماً ملموساً على المستويين الإقليمي والدولي، يعكس تصميمها على توفير تعليم أكاديمي مُعاصر، يحوي بيئة تعليمية جذابة تواكب التقدم المتسارع عالمياً على الصعيد التكنولوجي.
وبحسب تصنيف مؤسسة «تايمز» للتعليم العالي للجامعات الآسيوية لعام 2024، الذي صدر مؤخراً، فقد حلّت ست جامعات إماراتية ضمن أفضل 150 جامعة في آسيا، تصدّرتها جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا التي جاءت في المركز 40، فيما حلّت جامعة الإمارات في المركز 58، وجامعة أبوظبي بالمركز 89، وجامعة الشارقة في المركز 96، بينما جاءت جامعة زايد في المركز 114، إضافة إلى الجامعة الأميركية بالشارقة التي حلت في المركز 148.
ومن أبرز نقاط التقدم التي أحرزتها الجامعات الإماراتية، تقدم جامعة خليفة من المركز 45 إلى المركز 40 مقارنةً بتقييم العام الماضي، وتقدم جامعة زايد من المركز 124 إلى المركز 114، فيما تقدمت الجامعة الأميركية في الشارقة من المرتبة 201 إلى 148.
وقد شملت إجراءات تحكيم مؤسسة «تايمز» عدداً من مؤشرات الأداء الأساسية مثل التدريس والبيئة البحثية وجودة البحوث والتصور العالمي.. لتقدم مقارنات شاملة ومتوازنة.
وفي الواقع، فإن التقدم النوعي المطرد الذي تحرزه مؤسسات التعليم العالي الإماراتية يعكس طموحات دولة الإمارات في تطوير جامعاتها الوطنية بحيث تصبح على قدم المساواة مع أرقى الجامعات العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال منظومة تعليمية مُبتكرة، تعزز مهارات الطالب، ضمن برامج أكاديمية تنافسية معتمدة تنسجم مع أولويات الأجندة الوطنية لحكومة دولة الإمارات، ونقل للمعرفة والخبرات والتجارب من مختلف دول العالم.
ويأتي هذا التقدم والتطور الذي تشهده مؤسسات التعليم العالي في الإمارات كنتيجة للاستراتيجيات الراسخة التي أرستها الدولة في هذا المجال، الرامية إلى تزويد أبنائنا بالمهارات والمعارف العلمية والأكاديمية، انطلاقاً من إيمان مطلق بأن التعليم ركن أساسي في بناء أجيال قادرة على الوصول إلى أفضل المراتب.
ومن أبرز هذه الاستراتيجيات «الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030» التي أُطلقت عام 2017، الرامية إلى تطوير منظومة تعليمية مبتكرة، وتعزيز مهارات الطالب، باعتبارها حجر أساس العملية التعليمية، مع إشراك القطاع الخاص في عملية التطوير والتحديث، والتركيز على الأبحاث والدراسات في تطوير البرامج الأكاديمية المبتكرة التي تعزز تنافسيةَ الدولة عالمياً، ضمن نظام فعّال لضبط الجودة، وشفافية تصنيف النتائج.
وتبذل جامعاتنا الوطنية جهوداً كبيرة في دفع تقدمها العلمي والأكاديمي، والحفاظ على مكانتها البحثية والعلمية، فبالإضافة إلى الكليات والبرامج العلمية المتخصصة التي تضمها هذه الجامعات، فإنها تحرص على احتضان مراكز للبحث والتطوير وإطلاق مشروعات بحثية متخصصة. وكان من بين هذه المبادرات على سبيل المثال لا الحصر إعلان جامعة الإمارات العربية المتحدة تمويل 132 مشروعاً بحثياً في تخصصات مختلفة، عبر برامج متعددة، تشمل 38 مشروعاً ضمن برنامج الأبحاث المتقدمة، و24 مشروعاً في إطار برنامج البحث الاستراتيجي، و48 مشروعاً ببرنامج المنح البحثية لأعضاء هيئة التدريس الجدد، و17 مشروعاً بحثياً تندرج تحت برنامج الأبحاث، بالإضافة إلى مشروعات أخرى.
ومما لا شك فيه أن دعم دولة الإمارات لمؤسسات التعليم العالي وتطويره المستمر، لم تنحصر نتائجه في حصول هذه المؤسسات على تصنيفات متقدمة دولياً فحسب، وإنما تَظهر ثمرتُه الحقيقية في تحول جامعاتنا الوطنية إلى منصات للتطوير وتقديم أفضل المخرجات التعليمية والأكاديمية لطلابها وطالباتها، ومنارة للبحث والتقدم العلمي.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية