ذهبت جائزة «اليونسكو» العالمية لحرية الصحافة هذا العام إلى الصحفيين الفلسطينيين القائمين على تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقال رئيس لجنة التحكيم الدولية للإعلاميين، إن الجائزة بمثابة رسالة تضامن قوية مع الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث في مثل هذه الظروف المأساوية، وقال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، إن الصحفيين في غزة «يعانون من الجوع والتشرد، ويتعرضون لخطر الموت، وإن اعتراف اليونسكو بمعاناتهم يشكل تشجيعاً عظيماً يستحقونه عن جدارة». وفي كلمته بمناسبة تسلمه الجائزة، عبَّر نقيب الصحفيين الفلسطينيين عن شعوره بالفرح والفخر ممزوجين بالحزن على فراق شهداء الصحافة الفلسطينية، كما أعرب عن التصميم على محاسبة ومحاكمة مَن قتلوا هذه الكوكبة التي كشفت للعالم حقيقة ما ارتُكِب بحق الشعب الفلسطيني. وهو بهذا يشير إلى الدور المحوري الذي يلعبه الصحفيون عموماً في كشف الحقائق للرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية الدولية، بما يُمَكن من المحاسبة. ووفقاً لأرقام نقيب الصحفيين الفلسطينيين فقد راح 135 صحفياً فلسطينياً ضحيةَ العمليات القتالية في غزة، بينما وثقت لجنة حماية الصحفيين في نيويورك لـ97 صحفياً سقطوا ضحايا الحرب، منهم 92 فلسطينياً، وهو ما يمثل أعلى عدد وفيات تسجله اللجنة منذ عام 2015. وكانت اللجنة قد ذكرت في ديسمبر 2023 أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في الأشهُر الثلاثة الأولى من حرب غزة يفوق عدد الصحفيين الذين قُتلوا في أي بلد بمفرده على امتداد عام كامل.
وفي السياق الأعم لمحنة الصحفيين الفلسطينيين، لفتت المديرة العامة لليونسكو إلى مغزى الجائزة متمثلاً في الإشادة بشجاعة الصحفيين الذين يواجهون ظروفاً صعبة وخطيرة. وقد أشارت اليونسكو في تقريرها الجديد الصادر مؤخراً تحت عنوان «الصحافة والكوكب في خطر» إلى أنها أجرت استطلاعاً شمل 905 صحافيين في مارس الماضي، وذكر التقرير أن أكثر من 70٪ من الذين استُطلعت آراؤهم أفادوا بتعرضهم لهجمات أو تهديدات أو ضغوط بسبب تحقيقاتهم. ومن بين هؤلاء قال 2 من كل 5 إنهم تعرضوا لنوع من العنف الجسدي.
ومن جانبها فقد سلّطت منظمة «مراسلون بلا حدود» الضوء على تزايد الضغوط السياسية على الصحافة في العالم، وهي حقيقة مقلقة لأن دور الصحافة في كشف الحقائق لا يقف عند حدود الصراعات المسلحة، بل يمتد إلى القضايا الداخلية المحورية المتعلقة بنزاهة الانتخابات ومحاربة الفساد. ومَن منا ينسى الدور الذي لعبته الصحافة في الكشف عن فضيحة ووترجيت في سبعينيات القرن الماضي حين أجبرت الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على الاستقالة، وكانت علامة على الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الصحافة في حماية الديمقراطية إذا أُحيطت بالضمانات الكافية.
تبدو الصورة إذاً قاتمةً على النحو السابق، ليس في غزة فحسب، وإنما في أماكن عديدة من العالم، وإن كانت الأوضاع في غزة غير مسبوقة بطبيعة الحال، ومن هنا فإن تكريم الصحفيين الشجعان لا يكفي وحده، وإنما آن الأوان للعمل بجدية باتجاه توفير أكبر قدر من ضمانات الحماية الجسدية والقانونية للصحفيين من جانب، وتقوية المنظومة القانونية للمحاسبة على الجرائم التي تُرتكب بحقهم من جانب آخر.. وهو ليس بالعمل السهل، وذلك بالنظر إلى التحديات والصعوبات الجسام التي تعترض مسار منظمات العدالة الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، كما نتابع في المواجهة الراهنة. لكن هذه التحديات والصعوبات لا يجب أن تثنينا عن التوجه نحو خوض رحلة الألف ميل.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة