سيظل السادس من مايو عام 1976 يوماً خالداً في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، ففي هذا اليوم توحدت القوات المسلحة تحت قيادة واحدة وعلم واحد، بعد خمس سنوات من ملحمة التأسيس التي فتحت الطريق نحو التطور والرخاء والتنمية، وتحقيق طموحات أبناء الدولة على طريق الفخر والعزة. وأكدت هذه الخطوة المحورية التقدم المستمر لمسيرة الدولة، وأن أبناءها جميعاً على قلب رجل واحد، يعملون على توثيق عرى الاتحاد وتوطيد أركانه وإعلاء بنيانه، ليتعالى مهيبًا شامخاً يُظل الجميع بظله، وليمتد الشعور بالأمن والأمان إلى كل زاوية في ربوع الوطن.
وقد وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، توحيد القوات المسلحة بأنه «الحدث الوطني الأكثر أهمية وتأثيراً في تاريخنا الحديث، بعد قرار إنشاء دولة الاتحاد في الثاني من شهر ديسمبر عام 1971»، حيث كان ذلك القرار التاريخي إشارة إلى أن فكرة الاتحاد قد وصلت إلى تمام اكتمالها، استعداداً للوصول بالدولة إلى ما تستحقه من مكانة، متوحدة خلف قائد قلَّ أن يجود بمثله الزمان، و هو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
لقد خطت القوات المسلحة لدولة الإمارات خطوات عملاقة، وحققت نجاحات مشهودة في حماية سيادة الوطن وأرضه ومقدراته، وردع كل الطامعين والمتربصين، ولم يكن أي إنجاز من هذا النوع ممكنا من دون الخطوة الأولى، وهي توحيد القوات المسلحة، ولذا فإن اليوم الذي توحدت فيه القوات المسلحة يمثل الأساس الصُلب الذي بُنيت عليه الإنجازات العسكرية اللاحقة جميعها، وما كان لها أن تكون لولا هذا القرار التاريخي.
ويعكس الاهتمام بهذه الذكرى الغالية من جانب قيادة الدولة ومؤسساتها المختلفة، ومن جانب المواطنين على اختلاف فئاتهم العمرية، وعيًاً متقدماً بمدلولاتها ومعانيها الكبرى، إذ يشارك الجميع في الاحتفاء بالقوات المسلحة، ويتسابقون إلى التعبير عن تقديرهم للمنتسبين إليها، وفخرهم بأبنائها الذين أكَّدوا في كل المواقف أنهم قادرون على التنفيذ الكامل لكل ما يُسند إليهم من مهام، مهما كانت صعوبتها وخطورتها، منطلقين من ولاء لا يتزعزع للوطن وقيادته الرشيدة، واستعداد لبذل أرواحهم عن طيب خاطر في ساحات الشرف والمجد. وقد حظيت القوات المسلحة بالإشادة والإعجاب من جانب أشهر المؤسسات الأكاديمية العسكرية الكبرى في العالم. وفي كل التدريبات والتمرينات المشتركة، كانت أداء أبناء الوطن مثار التقدير والاحترام، كما هو الأمر في العمليات العسكرية المشتركة مع الدول الأخرى، ومعظمها يمتلك تاريخاً عسكريّاً عريقاً وقدرات استثنائية.
وكان أبناء القوات المسلحة في كل المواقف نماذج مشرفة في الشجاعة والكفاء والانضباط والتحمل، والتعامل مع أصعب المواقف بوعي وحكمة واحترافية عالية. وليس هناك من شك في أن هذه السمات التي اكتسبها منتسبو القوات المسلحة من أبناء الدولة إنما تستند أولاً إلى وضوح الرؤية الاستراتيجية لدى القيادة الرشيدة، وتوفيرها كل الظروف التي تساعد على تزويدهم بكل القدرات والمهارات التي تتطلبها مهامهم، ومواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة وأحدث النظريات والآراء والأفكار في العلوم العسكرية، وذلك من خلال منظومة متميزة من المدارس والكليات العسكرية الوطنية التي تعتمد على أفضل المناهج الدراسية وخطط الإعداد والتأهيل، ويُدرِّس فيها نُخب منتقاة من بين الأكفأ من الخبراء والقادة والمختصين العسكريين.
وقد نجحت الدولة خلال سنوات قليلة في بناء مؤسسات وشركات وطنية كبرى للتصنيع العسكري، وفرت للقوات المسلحة منظومات التسليح المتطورة محلياً، وحفرت لنفسها مكاناً ضمن شركات تصدير الأسلحة في العالم. وساعد ذلك ضمان استقلال قرار القوات المسلحة الإماراتية في ظل مختلف الظروف. وفي هذه المناسبة الوطنية الجليلة، نتوجه بالتهنئة إلى القيادة الرشيدة لدولة الإمارات مجددين لها عهد الولاء والطاعة، وإلى كل منتسبي القوات المسلحة الساهرين على أمن الوطن وأمانه، وإلى أبناء الإمارات جميعاً، وهم يضربون أروع الأمثلة لائتلاف القلوب في ظل «البيت المتوحد».
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.