حان وقت اتخاذ القرار بالنسبة لإسرائيل. والسؤال الذي تواجهه يتجاوز التحدي المباشر المتمثل في كيفية الرد على سيل الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها عليها إيران في 13 أبريل. إنه اختيار يتعلق بعلاقات إسرائيل المستقبلية مع جيرانها في الشرق الأوسط والعالم الأوسع. هذا القرار - بين حُكم إسرائيلي دائم على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وإغراءِ سلامٍ تاريخي مع السعودية تحت وساطة أميركية - قرار كان يتصارع معه رئيسُ الوزراء بنيامين نتنياهو خلال معظم العام الماضي.
إلى أن جاءت أحداث 7 أكتوبر.
وهو اليوم الذي انتهكت فيه «حماس» جنوب إسرائيل لتهاجم وتخطف وتقتل أكثر من ألف شخص، ثم ردّت إسرائيل على ذلك باجتياحٍ بري أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من فلسطينيي غزة وتشريد وتجويع مئات الآلاف منهم.
غير أن الضربة الصاروخية التي وقعت ذاك السبت أعادت هذا الاختيار إلى الطاولة مرة أخرى وأبرزت الأشياء التي على المحك.
وذلك لأن قدرة إسرائيل اللافتة على صدّ الهجوم الإيراني غير المسبوق لم تكن شهادة على فعالية دفاعاتها الجوية المتطورة فحسب، وإنما اعتمدت على رد منسق بشكل جيد شاركت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. 
وكان اختباراً دراماتيكياً لما يمكن أن يعنيه على أرض الواقع مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» الذي لطالما روّجت له واشنطن، خاصة في ظل تنامي العداء الشعبي لإسرائيل في الدول العربية جراء الأزمة الإنسانية المتواصلة في غزة. 

غير أنه حتى مع قيام إسرائيل بالرد من دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد أكبر للتوترات الإقليمية، فإنها ما زالت مطالَبة بمعالجة السؤال الأعمق والأهم المتعلق بما إن كان ينبغي لها الانضمام إلى الرؤية الأميركية لاتفاق رسمي مع القوة الرائدة في العالم العربي والإسلامي، السعودية.
هذا السؤال ازداد إلحاحاً وصعوبة منذ 7 أكتوبر لأنه يتعلق بلبّ المسألة الأساسية التي ستحتاج إسرائيل لمعالجتها حينما تنهي قواتها عملياتها ضد «حماس»، ألا وهو: كيفية إعادة بناء غزة وإقامة ترتيبات سياسية وأمنية لحماية سكان القطاع المدنيين وحماية إسرائيل أيضا.
الأميركيون وحلفاؤهم الدوليون يرون دوراً مهماً لدول الخليج، ويتمثل في المساعدة على تمويل إعادة الإعمار، وتشجيع الإصلاح الشامل للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية - إعدادها لتولي زمام الأمور - وتوفير قوة أمنية انتقالية في غزة.
ولكن إطار «الشرق الأوسط الجديد» ازداد صعوبة أيضا منذ 7 أكتوبر.
ذلك أن طبيعة التنازل السياسي الرئيسي الذي سيتعين على إسرائيل تقديمه - أي تغيير في سياستها تجاه الفلسطينيين - أصبحت أيضاً أصعب بكثير من أن يقبلها نتنياهو. 
فالرئيس الأميركي جو بايدن التقى نتنياهو في أواخر سبتمبر 2023، أي قبل أسبوعين على هجوم «حماس»، ليوضح له رؤيته للطريق إلى السلام في الشرق الأوسط. رؤية تضمنت كبح المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وتوسيع المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية، وترك الباب مفتوحاً على الأقل أمام سلام يقوم على حل الدولتين في نهاية المطاف.
ولكن ذلك كان قبل ستة أشهر.
أما اليوم، ومع تنامي القلق الدولي من معاناة المدنيين في غزة، فإن السعوديين ودول الخليج العربي الأخرى وواشنطن مقتنعون بأن وجود مسار أكثر وضوحاً يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية بات أمراً ضرورياً الآن. والسعوديون، بشكل خاص، من المستبعد أن يشعروا بأنهم قادرون على تطبيع العلاقات مع إسرائيل من دون ذلك.
ولكن داخلياً، سيجد نتنياهو مثل هذا الالتزام أكثر كلفة من أي وقت مضى.
ذلك أن الحزبين اليمينيين المتطرفين الصغيرين اللذين يعتمد عليهما ائتلاف نتنياهو الحاكم ضاعفا جهودهما الرامية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية وضم الضفة الغربية في نهاية المطاف. ويرغبان في أن تستعيد إسرائيل السيطرة على غزة أيضاً حينما ينتهي القتال. 
ولهذا، فإن احتمالات إحياء فكرة التوصل إلى اتفاق سلام تبدو ضئيلة للغاية، على الأقل في الوقت الراهن.
ومع ذلك، ما زالت هناك حوافز على كلا الجانبين. كما أن ضمانات أمنية أميركية رسمية والوصول إلى أعلى الطائرات الحربية الأميركية جودة وفعالية يُعدان عاملي جذب رئيسيين بالنسبة للسعوديين في اتفاق مع إسرائيل.
وبالنسبة لنتنياهو، فإن مثل هذا الاتفاق من شأنه ألا يضمن دعم العرب ومشاركتهم في غزة بعد الحرب فحسب، وإنما من شأنه أيضاً أن يقوّي موقفه في السعي إلى إقامة منطقة عازلة ومنزوعة السلاح في جنوب لبنان للحدّ من تهديد قوات «حزب الله» المسلح من قبل إيران هناك.
ثم هناك حافز سياسي أيضاً: إذ في الوقت الذي يحمّله معظم الإسرائيليين مسؤولية السماح بحدوث أحداث 7 أكتوبر، فإنه ربما يمكنه أن ينسب إلى نفسه الفضل في اتفاق سلام سعودي طال انتظاره، الأمر الذي سيمهّد الطريق أخيراً لقبول إسرائيل في العالم العربي والإسلامي الأوسع.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»