بالغ بعض المراقبين في تقدير مدى تأثير العقوبات الأميركية المنتظرة وغير المنتظرة على كتيبة «نتساح يهودا» التابعة للجيش الإسرائيلي. ذهب بعضهم إلى أن العقوبات في حال صدورها ستأخذ العلاقة الأميركية الإسرائيلية إلى منطقة لم تدخلها من قبل، وستغيّر شكل التعاون بين البلدين في المستقبل، فيما تطرف البعض وأكد أن أمن إسرائيل لم يعد أولوية أميركية.
والحقيقة أن العقوبات التي ربما يعلن عنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وربما يتراجع عن إعلانها خلال الأيام القليلة المقبلة، تدخل ضمن شبكة التعقيدات الداخلية الأميركية التي يصدر عنها سنوياً آلاف التقارير العدلية والديبلوماسية والأمنية التي تتضمن ملاحظات وإدانات وعقوبات نافذة وغير نافذة ضد دول حليفة وغير حليفة. هذه مسألة روتينية في الولايات المتحدة، ويمكن تصنيفها ضمن الحراك الديموقراطي الأميركي اليومي، فكل جهاز أميركي يُصدر بشكل دوري تقارير تتعلق بمدى موافقة وموائمة العالم للنموذج الأميركي، لكن المواد الإجرائية في هذه التقارير لا تتعدى في النهاية الخطوط الحمراء التي ترسمها المصلحة الأميركية العليا.
ويستطيع الراصد البسيط أن يخرج سنوياً بمئات التقارير الصادرة من أجهزة أميركية مختلفة، التي تتعرض لأداء أجهزة ومنظمات في دول صديقة وغير صديقة للولايات المتحدة، لكنها في العادة تموت في اليوم الثاني من ظهورها. ما يصنع الفارق هنا هو تركيز الإعلام المحلي الأميركي أو الدولي على بعض هذه التقارير وبث روح المشاغبة فيها لتعيش أياماً أطول من أجل مناكفة هذه الدولة أو تلك.
العقوبات المقترحة ضد كتيبة «نتساح يهودا» لا يمكن إخراجها من هذا الإطار، فهي جزء من الحراك اليومي الأميركي الذي يوازن بين ديموقراطية أميركا العريقة وسلوكها الدولي الذي يتعارض بين الحين والآخر مع المبادئ التي تأسست عليها. هي مسألة نفسية معقدة تساعد بلاد «العم سام» على الشعور بالرضا عندما تنظر إلى نفسها في المرآة. هكذا لا أقل ولا أكثر.
السياسيون الإسرائيليون أيضاً، وإن تشددوا في تصريحاتهم ضد مشروع العقوبات، إلاّ أنه يمثل بالنسبة لهم حربة برأسين: وسيلة تكسب جديدة في الانتخابات وتقزيم لمشروع المتشددين الدينيين في الدولة اليهودية.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب بيني غانتس ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وغيرهم من كبار الساسة في إسرائيل يعتقدون أن التشدد في التصريحات ضد مشروع العقوبات سيرهن لهم في المستقبل المزيد من أصوات المتشددين اليهود، الذين يعدون كتيبة «نتساح يهودا» ممثلة لهم، نظراً لكونها مخصصة فقط لتجنيد رجال «الحريديم» والمتشددين دينياً ذوي المتطلبات الخاصة التي تتناسب مع معتقداتهم.
وفي الوقت نفسه، هم ليسوا بالكامل ضد مشروع العقوبات لأنها إنْ طُبقت وإن لم تُطبق، ستحد من تنامي سلطة المتشددين الدينيين، وستضعهم في إطارهم المناسب الذي يبقيهم بعيداً عن علمانية الدولة، لكنه لا يمنعهم من تلوين الدولة بالألوان اليهودية.
سننتظر أياماً لنرى، لكن على أية حال، ستبقى أميركا بالنسبة لإسرائيل هي نفسها قبل القرار وبعده، وستبقى كتيبة «نتساح يهودا» مثلما كانت، مؤثرة دينياً وذات تأثير أقل في الجانب السياسي.
*كاتب سعودي