الأردن نواة الثورة العربية الكبرى في بدايات القرن العشرين لطالما خاض اختبارات صعبة. ولم تكن الخمس ساعات ليلة 13 أبريل 2024 غير ليلة عابرة في التاريخ الأردني، والأهم النظر إلى القرار الحاسم الذي اتخذته القيادة الأردنية برفضها القاطع عدم استخدام أجوائها في تصفية حسابات الرد الإيراني على إسرائيل. قرار الأردن في مضمونه يمثل حماية كينونة الدولة، فمهما كانت المبررات ومهما كانت الضغوط، فحماية كينونة المملكة لا يمكن بحال من الأحوال التنازل عنه.
الموقف الأردني بالغ الحساسية بالتأكيد بالنظر لتاريخ طويل وحوادث متشابكة والأكثر أهمية في هذه اللحظة موقف عمّان من بعد الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.وضعت مصر والأردن لاءات ثلاث تمثلت في رفض قاطع لدعوات التهجير القسري، فهي تمثل جريمة دولية ومخالفة صريحة للقانون الدولي والإنساني، كما أنه لا لسياسة العقاب الجماعي واستهداف المدنيين. أما ثالث اللاءات رفض الشروط القهرية لوقف إطلاق النار، حصلت القاهرة وعمّان على إسناد إماراتي مباشر ودعم سعودي جمع التأييد العربي اللازم لمساندة الأردنيين والمصريين.
ثبوت المواقف سبق التطورات فهناك اعتبارات تعيشها الدول الوطنية بإدراك أن التكلفة من خروجها من رياح ما سمّي بـ «الربيع العربي» كانت كافية لتمكين الدولة العربية الوطنية بسيادتها وهيبتها، لا حزبية ولا دعوات أخرى يمكن أن تستحضر مع ما تتخذه القيادة السياسية. لا مجال للغموض أو الجدال عندما يتعلق الأمر بأمن وسلامة الأردن. ففي مواجهة أي خطر يهدد أراضيه، لا مجال للتردد أو التراجع عن اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية كينونته الوطنية.
إنّ تجاهل الحقائق أو الجهل بها لا يُبرّر إطلاق الاتهامات أو الشكوك، فما شهدناه بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل يُظهر بوضوح أنّ الأردن كان حريصاً على التحذير من مخاطر التصعيد وتهديد أمن المنطقة واستقرارها، كما أنّ تعرض الأردن للقصف الجوي يُؤكّد على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لحماية أراضيه ومنع أي عدوان، فالأردن يمتلك الحقّ المشروع في الدفاع عن نفسه، وحماية سيادته، وضمان سلامة مواطنيه، وذلك وفقاً للقانون الدولي.
إنّ الحديث عن أمور مجهولة يُعقّد الأمور ويُزيد من خطورتها. فالحقّ لا يناقش، ولا مجال للجدليات في مثل هذه المواقف، من واجب الأردن حماية أراضيه وإقليمه الجوي والبحري، فهذه مسؤولية سيادية لا مجال للتفريط فيها. والدفاع عن النفس حقّ مكفول للأردن، وفقاً للتشريعات الدولية، ولا يجوز السماح لأي جهة كانت بالتشكيك في هذا الحقّ أو المساس بأمن الوطن وسلامة أراضيه. الأردن ينأى بنفسه عن الحروب الدائرة خارج حدوده، لكنّه لن يتسامح مع أيّ خرق لأجوائه أو اعتداء على سيادته، مهما كان مصدر هذه التهديدات، لن يقف الأردن مكتوف الأيدي. فلن يسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات فوق أراضيه دون التصدي لها.
هذه الرسالة واضحة تماماً: الأردن قوي ولن يقبل بكونه «ساحةً لحرب إقليمية». تأكيد الملك عبد الله الثاني جاء واضحاً بإنّ صدّ هذه الطائرات والصواريخ هو ردّة فعل طبيعية على أيّ عدوان، فالدفاع عن الوطن حقّ أردني لا جدال فيه. القرار السيادي الوطني شهد لحظة اختبار عميقة تطلبت استدعاء الواقعية السياسية لا للفوضوية والشعارات الزائفة. الأردنيون اعتادوا على هكذا تحديات وتمرسوا عليها. ومع كل ما يمتلكون، فهم يقومون بتقديم مشهد لما يجب أن تكون عليه الدولة في سيادتها، وهذا الاختبار الكبير الذي نجحت فيه الأردن ملكاً وحكومة وشعباً.
*كاتب يمني