دخل «التضخم» وتداعياته بقوةٍ معركةَ السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض بين الرئيس الحالي جو بايدن (من الحزب الديمقراطي) والرئيس السابق دونالد ترامب (من الحزب الجمهوري)، والتي ستُحسم نتائجُها في نوفمبر المقبل. وفي إحدى المناسبات مؤخراً، قال بايدن: «خطتي لمعالجة التضخم تبدأ باقتراح بسيط، باحترام بنك الاحتياطي الفيديرالي، واحترام استقلاليته، وهو ما فعلته، وسأواصل القيام به». أما نهج ترامب فكان وما يزال ممارسة الضغط على رئيس الفيديرالي جيروم باول. ولم يخف ترامب امتعاضه من سياسة باول، بل اتهمه بـ«ممارسة العمل السياسي» لمصلحة الحزب الديمقراطي، مهدداً في حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بالسعي إلى إقالته بعد انتهاء ولايته في بداية عام 2026.
وهكذا يختلف المرشحان الرئاسيان حول طريقة تعامل كل منهما مع جيروم باول الذي كان ترشيحه للمرة الأولى لمجلس محافظي «الفيديرالي» في عام 2011 من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، ثم عينه ترامب عام 2017 لرئاسة المجلس. وفي عام 2021 أعاد بايدن ترشيحه لرئاسة المجلس. وهو يقود حالياً معركة «الفائدة» ضد «التضخم»، بموجب تفويض يمنحه «استقلالية» عن الكونغرس والبيت الأبيض، ويسعى إلى تخفيض تدريجي للتضخم كي يصل إلى الرقم المستهدف (2 بالمئة)، والبدء بخفض سعر الفائدة الذي يتراوح حالياً بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، في يونيو المقبل، وبمعدل ثلاث مرات سنوياً، ليصل (وفق توقعات أعضاء الفيديرالي) إلى 4.6 بالمئة قبل نهاية العام الحالي، و3.9 بالمئة العام المقبل، ثم 3.1 بالمئة عام 2026.
لكن يبدو أن تسارع مؤشر أسعار المستهلك، بوتيرة أعلى من المتوقع في مارس الماضي، بنسبة 0.4 بالمئة، ليصل معدل التضخم لمدة 12 شهراً إلى 3.5 بالمئة، من شأنه أن يرجح إبقاءَ الاحتياطي الفيديرالي أسعارَ الفائدة على حالها من دون خفض. وقد توقعت الأسواق تأجيل بدء الخفض إلى سبتمبر، كما توقع بنك باركليز أن يكون لمرة واحدة فقط وبمقدار 25 نقطة. وفي الوقت نفسه هناك مخاوف من استمرار السياسة النقدية المتشددة لفترة أطول من المتوقع. بينما يرى جيروم باول أن توقيت أسعار الفائدة متوقف على إحساس المسؤولين بثقة أكبر إزاء احتمال استمرار التضخم في التراجع إلى 2 بالمئة، وذلك في اقتصاد قوي يستمر في تجاوز التوقعات.
وتعكس الانتخابات المرتقبة مساراً حاسماً للمستقبل السياسي والاقتصادي، ولذا فهي تبرز أهميةَ مؤشرات التضخم وأسعار الفائدة والبطالة ومعدلات النمو، من بين العوامل التي ينظر إليها الناخبون عن كثب، ويربطون أداء الاقتصاد بسياسات الحكومة القائمة وبقدرتها على توفير الرخاء والاستقرار.. مع الأخذ بالاعتبار ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وكذلك ارتفاع تكلفة قروض الأُسر، بما فيها قروض السكن، وتراكم مشكلة الديون المتعثرة لدى المصارف. و تبقى المشكلة الأخطر في تراكم الدَّين العام الذي سجل مستويات غير مسبوقة، وُصفت بأنها «قنبلة موقوتة» تهدد اقتصاد أميركا والعالم. وبلغة الأرقام، ارتفع هذا الدين في ولاية ترامب (2017-2021) بنحو7.6 تريليون دولار إلى 27.8 تريليون دولار.
أما في ولاية بايدن فرتفع إلى نحو 34.63 تريليون دولار بنهاية مارس الماضي، وإذا استمر بهذه الوتيرة فمن المتوقع أن يتجاوز 36 تريليون دولار بنهاية ولايته في يناير 2025، وبذا يكون قد زاد بنحو 8.2 تريليون دولار، متجاوزاً حجم الدين الذي سجله عهد ترامب بنحو 600 مليار دولار. لكن يرى المراقبون أنه في حال انتُخب ترامب رئيساً في نوفمبر المقبل، يمكن أن يرتفع حجم الاقتراض في المستقبل، لا سيما أنه وعد بتمديد تخفيضاته الضريبية، وخفض الضريبة على الشركات من 21 بالمئة حالياً إلى 15 بالمئة، ما يعني مزيداً من العجز المالي وارتفاعاً في تراكم الدين.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية