في كل شتاء على أرصفة وشوارع وحدائق مركز مدينة دوسلدورف الألمانية تشيدُ وتُنَصَبُ الأكشاك المختلفة والمتعددة، والتي لها القدرة العجيبة على جذب الناس بتنوعها من بيع الأطعمة الشعبية والتقليدية المختلفة إلى السلع والأدوات ذات الصناعة اليدوية والمنزلية وغيرها كخدمة الرسم وصولاً إلى أكشاك اللعب والمرح والمنافسة والربح. فبين كل تلك الأكشاك يبدو صامداً كشك الصحف والمجلات والكتب الثقافية، رغم تناقص قُراء المطبوعات الورقية، فلطالما ترددت عليه، حيث تعشق عيناي المقالات والتقارير والصفحات الثقافية.
أتذكر في إحدى المرات بأن خَيَّمَت على تفكيري مقالة وجدتها في إحدى الصحف، وكانت تتناول موضوعاً عن السويد والتكنولوجيا في التعليم، حيث اكتشفت السويد تراجعاً في مستوى ومهارات القراءة والكتابة لدى طلابها في المدارس، فالاعتماد على الألواح الرقمية والهواتف الذكية في مجال التعليم لم يعزز مهارة القراءة والكتابة، وتسبب أيضاً في تشتت بصري وإشعاعات ضارة للطفل، إلى جانب وجود مؤثرات سلبية على قوة الانتباه والتركيز، فأتت الحلول من خلال سياسة حكومية سويدية جديدة تتمثل بالعودة للكتب والدفاتر الورقية والأقلام في الفصول الدراسية للطلاب.
واختلط تفكيري بالتأمل حول مسارات مهمة وأنا أجوب المدينة بين مختلف أكشاكها، وكان أهم مسار متعلق بمسألة اللغة العربية، فالعالم تسودهُ اللغة الإنجليزية كلغة عالمية مشتركة، مع ظاهرة موت الكثير من اللغات حول العالم، والذي يعني موت الكثير من العادات وتهجين الثقافة ناهيك عن وجود مشاكل التحول الثقافية المتعددة، حيث يقول العالم البريطاني (David Crystal) بأن هناك 6500 لغة في العالم يتكلم بها 6 مليارات، وأن 96% من اللغات يتحدث بها فقط 4% من سكان العالم.
وبصورة أخرى 4% من لغات العالم يتحدث بها 96% من سكان العالم. أما المسار الثاني الذي عَنَّ بفكري هو البحث عن وسيلة لتعزيز تعليم الكتابة والرسم بالقلم وعلى الورق، فكل ذلك يعزز من التركيز والإبداع، كما أن تقوية العمليات الحسابية تكون بمثابة الركيزة الأساسية نحو الإبداع والإتقان.
تكونت في ذهني فكرة كشك يحتوي على ألعاب ابتكارية وتعليمية ومحفزة ومهارية متعددة، وذات طابع تنافسي للربح بالجوائز، على سبيل المثال، خلال مسابقات مختلفة المراحل من أسئلة على نصوص معرفية وعلمية وأدبية ونحوية مع العمليات الحسابية والرسم يلعب الطفل والشخص ويكسب. ومن الأهمية ذكر بأن هذه الأكشاك لابد أن توجد وتتوفر في المهرجانات الثقافية والتراثية والوطنية، وفي المدارس خاصةً في المناسبات التوعوية، إلى جانب تواجدها في ساحات أماكن الألعاب العامة والحدائق والمنتزهات والمولات.
وإن كانت هذه الفكرة تحتاج إلى تعاون جهات وخبراء في التعليم وتحفيز السلوك وصناعة الألعاب والجوائز المختلفة المناسبة لمختلف الأعمار والحالات مع أهمية وجود قياس الأثر والأداء، إلا أن مقومات نجاحها تبدو قوية عبر نموذج ألعاب LEGO التي تنمي التركيز والخيال والإبداع لدى الأطفال والمراهقين.
*كاتب ومحلل سياسي