ضجت وسائل إعلام إخوانية بانتقاد العمل الدرامي الضخم مسلسل الحشاشين فور بث حلقته الأولى في الأول من شهر رمضان الجاري، وهو عمل فني يسلط الضوءَ بشكل كبير على فِرقة دينية كانت مِن أشهر الفِرق وأكثرها تطرفاً ودموية في تاريخ العنف والتوظيف السياسي للدين، وهي طائفة إسماعيلية نزارية باطنية انفصلت عن العبيديين لتدعو إلى إمامة نزار الدين المصطفى الذي يرجع إلى سلالة الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.
وجاء الهجوم الإخواني على المسلسل، رغم أنه يتناول أحداثاً تاريخيةً وقعت في الفترة بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، وكانت معاقل معتنقيها الأساسية جبال قلعة آلموت في بلاد فارس جنوبي غرب بحر قزوين، ثم توسعت حتى بلاد الشام وتوسعت معها أعمال القتل والاغتيالات المنظمة، ممَّا أكسبها عداءً شديداً من الخلافتين العباسية والفاطمية ومن الدول التابعة لهما والسلطنات الكبرى آنذاك، كدولة السلاجقة والصليبيين.. حتى كانت نهايتهم على يد الحاكم المغولي هولاكو.
اعتمدت الاستراتيجية العسكرية لفرقة الحشاشين على الاغتيالات التي كان يقوم بها انتحاريون يتم تجهيزهم بتكتيك عسكري دقيق وإعداد روحاني لا يختلف مطلقاً عن تكتيك الجماعات الإسلاموية في وقتنا الحاضر، كالوعد بالحور العين والمنازل الرفيعة من الجنان والملذات الحسية الكثيرة.. إلخ، وهو السبب الذي جعل جماعة مثل جماعة «الإخوان» تهب لمهاجمة العمل الدرامي الذي كشف خبايا طائفة لا تختلف عن استراتيجيتهم وطريقتهم البشعة في تصفية خصومهم وإرهابهم وتوظيف الدين لتجييش العامة ضد الحكومات.
وبحسب المصادر التاريخية الموثوقة، فهناك مساحات كبيرة مشتركة بين «الإخوان» وبين «الحشاشين» كجماعة استخدمت القتلَ بدعوى الجهاد والدعوة، ووظفت الدينَ لخدمة أغراضها السياسية. ويزعم «الإخوان» أن العمل يحمل إسقاطاً مباشراً على جماعتهم، والواقع أنهم هم الذين بادروا بتحسس رؤوسهم. والسبب أن جماعة «الإخوان» لا تختلف عن الحشاشين، فهم امتداد استراتيجي حي لتلك الطائفة في تاريخها التنظيمي واغتيالاتها السياسية واستراتيجية العنف وإعداد الكوادر والأتباع وزرعهم لاختراق المجتمعات تحت عباءة الدين.
لن تجد اختلافاتٍ جوهريةً بين الجماعتين («الإخوان» والحشاشين) سوى اختلاف ظرفَيْ الزمان والمكان، فقد استلهم حسن البنَّا من حسن الصبّاح فكرةَ بناء الجماعة على الولاء المطلق من الأتباع لقائد الجماعة، وأن البيعة تقوم على السمع والطاعة والثقة العمياء، وأن نجاح الجماعة يقوم على ركيزة السرية والتخفي.. وهذا ما قامت عليه فرقة الحشاشين الباطنية. كما أن هناك تشابهاً في تشكيل البنية الهرمية والإدارية والتحرك الشبكي والمشتركات التنظيمية والأصولية الفكرية، حيث يتزعمهم شخص واحد يحكم قاعدةً مِن الأتباع والموالين له. وكما جعل حسن الصبّاح مبدأ السمع والطاعة نهجاً سار عليه أنصاره، فأقنعهم بارتكاب الجرائم مستخدماً مادةَ الحشيش لتخديرهم ودفعهم نحو تنفيذ الاغتيالات حالمين بالجنة التي وعدهم إياها، كذلك فعلت جماعة «الإخوان» في مصر حيث دفعت عناصرها لتعاطي مخدر الترامادول للاعتصام في الميادين ولتنفيذ أعمال قتل واغتيال ضد رجال الشرطة والجيش خلال اضطرابات يناير 2011 وثورة يونيو 2013 في مصر.
مسلسل الحشاشين عمل فني كبير يستحق الإشادةَ، وقد تم إنجازه بإتقان ودقة متناهيتين وجرى تصويره في عدة بلدان. وهو إنتاج ضخم ومشاهد تصويرية في غاية الإبهار، وقد عكس مقدرةً هائلةً في الأداء والإخراج وتوظيف الموسيقى التصويرية، بتناغم مذهل على وقع رباعيات الشاعر العالم والفيلسوف عمر الخيام. وازداد العمل إتقاناً باختيار كوكبة من الفنانين وصناع الدراما العربية المتميزين، ليصبح العملَ الفني الأنجحَ منذ سنوات طويلة.
*كاتبة سعودية