احتفلت الإمارات، خلال شهر مارس الجاري، بشهر القراءة الوطني 2024 تحت شعار «الإمارات تقرأ». وقد أطلقت مبادرة «شهر القراءة» عام 2016، واستمرت فعالياتها وأنشطتها منذ ذلك الحين في شهر مارس من كل عام. وتحولت المبادرة إلى فرصة لحشد الجهود من أجل تعزيز ممارسة حيوية وضرورية لحياة أرقى للفرد والمجتمع، وفتح الآفاق نحو إحراز مزيد من التقدم للوطن في عالم أصبح فيه تقدم المجتمعات ورخاؤها وازدهارها ومكانتها في العالم مرهوناً بمقدار الاعتماد على المعرفة. كانت القراءة دوماً محلَّ اهتمام القيادة الرشيدة التي نبّهت إلى فوائدها، وحددت أهدافَها وغاياتِها، على النحو الذي يظهر في قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إن «القراءة رافد من روافد المعرفة وسعة الاطلاع، ودورنا توثيق صلة الأجيال بها، نريدهم رواداً في مختلف العلوم.. نتطلع إلى صناعة علماء وأجيال تقود المستقبل».
كما يظهر ذلك أيضاً في قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إنه «لا يمكن تكوين مجتمع متسامح، وأسر متماسكة، ووعي مجتمعي حضاري، من دون ثقافة وقراءة واطّلاع ومعرفة، وأن الهدف الأسمى هو ترسيخ واقع جديد للقراءة في الدولة، وإعداد أجيال يحققون قفزات تنموية، ويضمنون تفوّقَ دولتنا، وتعزيزَ تنافسيتنا». وكما هو معتاد في دولة الإمارات، فقد تُرجمت هذه الرؤية إلى عمل مؤسسي مُستدام توافرت له كل عوامل النجاح، وبدأت جهود تشجيع القراءة في وقت مبكر من عمر الدولة، إلى أن جاء إعلان عام 2016 عاماً للقراءة ليكون ذلك تحولاً مفصليّاً، حيث شاركت كلُّ الجهات الرسمية والفعاليات المجتمعية في جهود مؤسسية خطت بالقراءة خطوات كبرى، لتتواصل فيما بعد وفق استراتيجية مُحكمة وخطط مدروسة ومبادرات تعتمد على رصيد لا ينفد من قدرة العقول والطاقات الوطنية على الابتكار.
وكانت مبادرة «شهر القراءة» التي نُظِّمت للمرة الأولى عام 2017، واحدة من مخرجات عام القراءة، وظلت تؤدي دورها المهم منذ ذلك التاريخ. وفي عام 2016، أُطلقت «الاستراتيجية الوطنية للقراءة»، من أجل تشجيع الجميع على تضمين القراءة كممارسة يومية وجعل القراءة أسلوبَ حياة بحلول عام 2026. وشملت الاستراتيجيةُ كلَّ الفاعلين الضروريين لترسيخ عادة القراءة لدى مختلف المراحل العمرية في الأسرة والمجتمع والنظام التعليمي ووسائل الإعلام وجهات العمل، إلى جانب بناء الأنظمة والبنية التحتية اللازمة لتعزيز التعلم، وإثراء محتوى مواد القراءة في الدولة.
وفي العام نفسه أيضاً صدر «القانون الوطني للقراءة» ليكون الأول من نوعه في المنطقة، بهدف توفير مواد القراءة لرواد المرافق في الدولة، مثل المجمّعات التجارية والمقاهي، وإثراء مكتبات المدارس والجامعات، وذلك لترسيخ القراءة كقيمة ثقافية، وتحويلها إلى ممارسة يومية من خلال تيسير سبل الوصول إليها. وكان الاحتفال بشهر القراءة هذا العام، حافلاً بمشاركات غزيرة للمؤسسات الوطنية التي سارعت إلى تقديم المبادرات وتنظيم الفعاليات النوعية، التي امتدت إلى كل مكان في إمارات الدولة، وهي الممارسة التي أصبحت معتادةً منذ الاحتفال للمرة الأولى بشهر القراءة عام 2017.
ويمكن القول بأن كل الجهات الاتحادية والمحلية، ومعظم مؤسسات النفع العام، وعدداً من المؤسسات والشركات الخاصة، قد ساهمت في الاحتفاء بالقراءة وتعزيز مكانتها واجتذاب فئات أوسع إلى أنشطتها، بما يصب في النهاية في مصلحة الأهداف الوطنية المرجوة من مبادرة «شهر القراءة». كما كان للاحتفال بشهر القراءة خلال شهر رمضان المبارك، دورٌ مهم في إكساب فعالياته وأنشطته بعداً جديداً، بحكم ما يمنحه الشهر الفضيل من قدرة أكبر على إذكاء طاقات التأمل والفهم والوعي والتفاعل مع ما يُقرأ، في ظل الإحساس بأن القراءة عبادة، من حيث كونها استجابة للأمر الإلهي الوارد في أول آية نزلت من آيات القرآن الكريم: «اقرأ».
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.