من الأيادي الحانية إلى الدامجة
يعود سر انجذابنا إلى الطفولة إلى حقيقة كونها طور الإنسان الأول وحلقة استمرار الحياة، وأكثر مرحلة يكون فيها الإنسان ضعيفاً وبريئاً ومكتشفاً وجاهلاً بالأشياء، ولطالما كنا نكره الجهل إلا عند الأطفال، لذا تفتح أيادينا دائماً لحضن وعناق وملاعبة الأطفال. فقد كان بين الأطفال التي عانقتهم ولاعبتهم ورسمتُ وجهي في أعينهم وضحكاتهم، طفل تحول إلى حالة التوحد في عمر الثلاث سنوات، فأصبحت يَداي أقرب إلى الأيادي الحانية نحوهُ، فتزايد حالات التوحد في المجتمعات أصبح ظاهرة دولية، مما جعل هناك حاجة ماسة إلى سياسات داعمة، ومع الأيادي الحانية في المجتمع أعلنت أيادي سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن استراتيجية أبوظبي الدامجة لأصحاب الهمم عام 2020، والتي تعمل على التحول من منظور الإعاقة الطبية إلى منظور الدمج الاجتماعي.
بدايةً، شهدت الساحة الدولية في عام 2006 اعتماد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تعتبر صَكاً من صكوك حقوق الإنسان، فهذه الاتفاقية تدور حول تسهيل الحياة للمعاقين وتحفيز انتقال البلدان بشكل منهجي من الرعاية للمعاقين القائمة على المؤسسات إلى الدعم المجتمعي. ولعل هذه الاتفاقية تأخرت في صدورها، فحسب European commission هناك نحو 87 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي يحمل شكلاً من أشكال الإعاقة، وهذا العدد الضخم له متطلباتهُ وحاجاتهُ وطموحاتهُ وطاقاتهُ، وقبل هذه الاتفاقية كانت الولايات المتحدة الأكثر تميزاً عبر التوقيع على قانون الأميركيين لذوي الإعاقة في عام 1990 ADA" "Americans with Disabilities Act-، وهذا القانون قدم الحماية ومختلف الخدمات والحقوق، ومن هذا التميز أتى بمنصب المستشار في حقوق الإعاقة التابع لوزارة الخارجية الأميركية، والهادف إلى تعزيز وحماية الأشخاص لذوي الإعاقة على المستوى الدولي.
نجد دولة الإمارات أكثر عدلاً وتميزاً بدورها الفعال في هذا الشأن، حيث أطلقت مصطلح «أصحاب الهمم» عام 2016 لوصف الأشخاص الذين كانوا يُطلق عليهم رسمياً صفة «ذوي الاحتياجات الخاصة»، وهذه التسمية تعكس التفاؤل والقيم والتفاعل والتماسك في البيئة الاجتماعية. ومع تعدد السياسات والبرامج والخدمات الداعمة لأصحاب الهمم، تكونت استراتيجية أبوظبي لأصحاب الهمم، فهذه الاستراتيجية تمثل نموذجاً دولياً يتحذى به، فهي تعمل على التحول من المنظور الطبي للإعاقة إلى المنظور الاجتماعي الدامج والداعم لأصحاب الهمم، حيث تواصل إمارة أبوظبي مساعيها نحو تكوين مجتمع دامج عبر خلق سياسات وخدمات وتطبيقات وتشريعات داعمة وممكنة لأصحاب الهمم ولأسرهم، وذلك من منطلقات ومسلمات أساسية بأن أصحاب الهمم مكون أصيل وأساسي من المجتمع وتماسكهِ ونمائهِ وطاقاتهِ.
وتستمر استراتيجية أبوظبي في التطوير والتجدد عبر الكثير من الدراسات والرصد والتشريعات والمبادرات في شتى المجالات من الصحة والتأهيل، والتعليم، والتوظيف، والرعاية الاجتماعية وغيرها كمبادرات الوصول الشامل للمباني والمرافق والنقل والسكن والأنظمة والخدمات الإلكترونية والذكية والبرامج الترفيهية والسياحية الدامجة.
*كاتب ومحلل سياسي